الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً }

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ } تذكيرٌ لما جرى منه تعالى من الأمر ومن الملائكة من الامتثال والطاعةِ من غير تردد وتحقيقٍ لمضمون ما سبق من قوله تعالى:أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا } [الإسراء: 57] ويُعلم من حال الملائكةِ وحالِ غيرهم من عيسى وعُزيرٍ عليهما السلام في الطاعة وابتغاءِ الوسيلة ورجاءِ الرحمة ومخافةِ العذاب، ومن حال إبليسَ حالُ من يعاند الحقَّ ويخالف الأمرَ، أي واذكر وقت قولِنا لهم: { ٱسْجُدُواْ لآدَمَ } تحيةً وتكريماً لما قاله من الفضائل المستوجِبة لذلك { فَسَجَدُواْ } له من غير تلعثم امتثالاً للأمر وأداءً لحقه عليه الصلاة والسلام { إِلاَّ إِبْلِيسَ } وكان داخلاً في زُمرتهم مندرجاً تحت الأمرِ بالسجود { قَالَ } أي عندما وُبِّخ بقوله عز سلطانه:يإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَن لاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } [الحجر، الآية 32] وقولِه:مَا مَنَعَكَ أَن لاَ تَسْجُد إِذْ أَمَرْتُكَ } [الأعراف: 12] وقوله:مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } [الحجر: 56] كما أشير إليه في سورة الحِجر { أَءسْجُدُ } وأنا مخلوقٌ من العنصر العالي { لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } نُصب على نزعِ الخافضِ أي من طين، أو حالٌ من الراجع إلى الموصول أي خلقتَه وهو طينٌ، أو من نفس الموصول أي أأسجُد له وأصلُه طينٌ؟ والتعبـيرُ عنه عليه الصلاة والسلام بالموصول لتعليل إنكارِه بما في حيز الصلة.