الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } * { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً }

{ وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأَرْضِ } التقيـيدُ لزيادة التقرير والإشعارِ بأن المشيَ عليها مما لا يليق بالمرح { مَرَحاً } تكبراً وبطراً واختيالاً وهو مصدرٌ وقع موقعَ الحال أي ذا مرحٍ أو تمرح مرحاً أو لأجل المرح، وقرىء بالكسر { إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ } تعليلٌ للنهي، وفيه تهكّم بالمختال وإيذانٌ بأن ذلك مفاخرةٌ مع الأرض وتكبرٌ عليها أي لن تخرِقَ الأرض بدَوْسك وشدة وطأتك، وقرى بضم الراء { وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ } التي هي بعضُ أجزاء الأرض { طُولاً } حتى يمكن لك أن تتكبر عليها إذ التكبرُ إنما يكون بكثرة القوة وعِظَم الجثة وكلاهما مفقودٌ، وفيه تعريضٌ بما عليه المختالُ من رفع رأسه ومشيِه على صدور قدميه.

{ كُلُّ ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى ما علم في تضاعيف ذكر الأوامرِ والنواهي من الخِصال الخمس والعشرين { كَانَ سَيّئُهُ } الذي نُهي عنه وهي اثنتا عشرة خَصلة { عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا } مبغَضاً غيرَ مَرْضيّ أو غيرَ مراد بالإرادة الأولية لا غيرَ مرادٍ مطلقاً لقيام الأدلةِ القاطعة على أن جميع الأشياء واقعةٌ بإرادته سبحانه وهو تتمةٌ لتعليل الأمور المنهيّ عنها جميعاً، ووصفُ ذلك بمطلق الكراهة مع أن البعضَ من الكبائر للإيذان بأن مجردَ الكراهة عنده تعالى كافيةٌ في وجوب الانتهاءِ عن ذلك، وتوجيهُ الإشارةِ إلى الكل ثم تعيـينُ البعض دون توجيهها إليه ابتداءً لما أن البعض المذكورَ ليس بمذكور جملةً بل على وجه الاختلاطِ، وفيه إشعارٌ بكون ما عداه مرضياً عنده تعالى وإنما لم يصرح بذلك إيذاناً بالغنى عنه، وقيل: الإضافةُ بـيانيةٌ كما في آية الليل وآية النهار، وقرىء سيئةً على أنه خبرُ كان وذلك إشارةٌ إلى ما نُهي عنه من الأمور المذكورة ومكروهاً بدلٌ من سيئةً أو صفةٌ لها محمولةٌ على المعنى فإنه بمعنى سيئاً، وقد قرىء به أو مُجرى على موصوف مذكر أي أمراً مكروهاً أو مُجرى مَجرى الأسماءِ زال عنه معنى الوصفية، ويجوز كونه حالاً من المستكنّ في كان أو في الظرف على أنه صفةُ سيئه، وقرىء سيئاته، وقرىء شأنُه.