الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } * { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }

{ وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ } أي أتموه ولا تُخسِروه { إِذا كِلْتُمْ } أي وقت كيلِكم للمشترين وتقيـيدُ الأمر بذلك لما أن التطفيفَ هناك يكون وأما وقت الاكتيالِ على الناس فلا حاجة إلى الأمر بالتعديل قال تعالى:إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } [المطففين، الآية 2] { وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ } وهو القرسطون، وقيل: كلُّ ميزان صغيراً كان أو كبـيراً، روميٌّ معرّب ولا يقدح ذلك في عربـية القرآن لانتظام المعرَّبات في سلك الكلمِ العربـية وقرىء بضم القاف { ٱلْمُسْتَقِيم } أي العدْلِ السويّ ولعل الاكتفاءَ باستقامته عن الأمر بإيفاء الوزن لما أن عند استقامتِه لا يتصور الجَوْرُ غالباً بخلاف الكيل فإنه كثيراً ما يقع التطفيفُ مع استقامة الآلة كما أن الاكتفاءَ بإيفاء الكيل عن الأمر بتعديله لما أن إيفاءَه لا يُتصوَّر بدون تعديل المكيالِ وقد أُمر بتقويمه أيضاً في قوله تعالى:أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } [الأنعام: 152] { ذٰلِكَ } أي إيفاءُ الكيلِ والوزن بالميزان السوي { خَيْرٌ } في الدينا إذ هو أمانةٌ توجب الرغبةَ في معاملته والذكرَ الجميلَ بـين الناس { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } عاقبةً، تفعيلٌ من آل إذا رجع والمرادُ ما يؤول إليه.

{ وَلاَ تَقْفُ } ولا تتبعْ من قفا أثرَه إذا تبِعه، وقرىء ولا تقُفْ من قاف أثرَه أي قفاه، ومنه القافةُ في جمع القائف { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي لا تكن في اتباع ما لا علمَ لك به من قول أو فعل كمن يتّبعُ مسلكاً لا يدري أنه يوصله إلى مقصِده، واحتج به من منع اتباعَ الظنِّ وجوابُه أن المرادَ بالعلم هو الاعتقادُ الراجحُ المستفادُ من سند قطعياً كان أو ظنيًّا واستعمالُه بهذا المعنى مما لا يُنكَر شيوعُه، وقيل: إنه مخصوصٌ بالعقائد، وقيل: بالرمي وشهادةِ الزورِ ويؤيده قولُه عليه الصلاة والسلام: " مَنْ قفا مؤمناً بما ليس فيه حبَسه الله تعالى في رَدْغة الخَبال حتى يأتيَ بالمخرج " ومنه قول الكميت: [الوافر]
ولا أرمي البريءَ بغير ذنب   ولا أقفو الحواصِنَ إن رُمينا
{ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ } وقرىء بفتح الفاءِ والواو المقلوبةِ من الهمزة عند ضم الفاء { كُلُّ أُولـٰئِكَ } أي كلُّ واحد من تلك الأعضاءِ فأُجريت مُجرى العقلاءِ لما كانت مسؤولةً عن أحوالها شاهدةً على أصحابها. هذا وإن أولاء وإن غلب في العقلاء لكنه من حيث إنه اسمٌ لذا الذي يعُمّ القَبـيلين جاء لغيرهم أيضاً قال: [الكامل]
ذُمَّ المَنازِلَ بعد مَنزِلَة اللِّوى   والعيشَ بعدَ أولئِكَ الأيامِ
{ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } أي كان كلٌّ من تلك الأعضاء مسؤولاً عن نفسه، على أن اسمَ كان ضميرٌ يرجِعُ إلى كلُّ وكذا الضميرُ المجرورُ، وقد جُوّز أن يكون الاسمُ ضميرَ القافي بطريق الالتفات إذ الظاهرُ أن يقال: كنتَ عنه مسؤولاً، وقيل: الجارُّ والمجرور في محل الرفع قد أُسند إليه مسؤولاً معللاً بأن الجارَّ والمجرور لا يلتبس بالمبتدأ وهو السببُ في منع تقديمِ الفاعلِ وما يقوم مقامَه.

السابقالتالي
2