الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } * { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } * { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } * { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً }

{ إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ } تعليلٌ للنهي عن التبذير ببـيان أنه يجعل صاحبَه ملزوزاً في قَرن الشياطين، والمرادُ بالأخوة المماثلةُ التامةُ في كلِّ ما لا خيرَ فيه من صفات السوءِ التي من جملتها التبذيرُ أي كانوا بما فعلوا من التبذير أمثالَ الشياطين، أو الصداقةُ والملازمةُ أي كانوا أصدقاءَهم وأتباعَهم فيما ذُكر من التبذير والصرْفِ في المعاصي فإنهم كانوا ينحَرون الإبلَ ويتياسرون عليها ويبذّرون أموالَهم في السمعة وسائرِ ما لا خير فيه من المناهي والملاهي، أو المقارنةُ أي قرناءَهم في النار على سبـيل الوعيد { وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا } من تتمة التعليل أي مبالِغاً في كفران نعمتِه تعالى لأن شأنه أن يصرِفَ جميع ما أعطاه الله تعالى من القُوى والقدر إلى غير ما خُلقت هي له من أنواع المعاصي والإفسادِ في الأرض وإضلالِ الناس وحملِهم على الكفر بالله وكفرانِ نِعَمه الفائضةِ عليهم وصرفِها إلى غير ما أمر الله تعالى به، وتخصيصُ هذا الوصفِ بالذكر من بـين سائر أوصافِه القبـيحة للإيذان بأن التبذيرَ الذي هو عبارةٌ عن صرف نِعَم الله تعالى إلى غير مصْرِفها من باب الكفرانِ المقابلِ للشكر الذي هو عبارةٌ عن صرفها إلى ما خُلقت هي له. والتعرضُ لوصف الربوبـيةِ للإشعار بكمال عُتوِّه فإن كفرانَ نعمةِ الربِّ ـ مع كون الربوبـية من أقوى الدواعي إلى شكرها ـ غايةُ الكُفران ونهايةُ الضلال والطغيان.

{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ } أي إن اعتراك أمرٌ اضطَرَّك إلى أن تُعرِض عن أولئك المستحقين { ٱبْتِغَاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ } أي لفقد رزقٍ من ربك، إقامةٌ للمسبّب مُقام السبب فإن الفقدَ سببٌ للابتغاء { تَرْجُوهَا } من الله تعالى لتُعطيَهم وكان عليه السلام إذا سُئل شيئاً وليس عنده أعرض عن السائل وسكت حياءً فأُمر بتعهّدهم بالقول الجميل لئلا تعتريَهم الوَحشةُ بسكوته عليه السلام، فقيل: { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا } سهلاً ليّناً وعِدْهم وعداً جميلاً، من يسُر الأمرُ نحوُ سعِد، أو قل لهم رزَقنا الله وإياكم من فضله على أنه دعاءٌ لهم يـيّسر عليهم فقرَهم.

{ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } تمثيلان لمنع الشحيحِ وإسرافِ المبذِّرِ زجراً لهما عنهما وحملاً على ما بـينهما من الاقتصاد: [الطويل]
كلا طَرَفَيْ قصدِ الأمورِ ذميمُ   
وحيث كان قبحُ الشحِّ مقارِناً له معلوماً من أول الأمر رُوعيَ ذلك في التصوير بأقبح الصور، ولمّا كان غائلةُ الإسراف في آخره بُـيِّن قبحُه في أثره فقيل: { فَتَقْعُدَ مَلُومًا } أي فتصيرَ ملوماً عند الله تعالى وعند الناسِ وعند نفسك إذا احتجتَ وندِمْت على ما فعلت { مَّحْسُوراً } نادماً أو منقطعاً بك لا شيءَ عندك من حسَره السفرُ إذا بلغ منه. وما قيل من أنه روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال:

السابقالتالي
2 3