الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }

{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّمَّا خَلَقَ } من غير صنعٍ من قِبلكم { ظِلَـٰلاً } أشياءَ تستظلون بها من الحر كالغمام والشجرِ والجبل وغيرها. امتنّ سبحانه بذلك لِما أن تلك الديارَ غالبةُ الحرارة { وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَـٰناً } مواضعَ تسكنون فيها من الكهوف والغِيران والسُّروب، والكلام في الترتيب الواقع بـين المفاعيل كالذي مرَّ غير مرة.

{ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } جمع سِربال وهو كل ما يُلبس، أي جعل لكم ثياباً من القُطن والكَتان والصوف وغيرها { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } خصّه بالذكر اكتفاءً بذكر أحد الضدّين عن ذكر الآخر أو لأن وقايتَه هي الأهم عندهم لما مر آنفاً { وَسَرٰبِيلَ } من الدروع والجواشن { تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } أي البأسَ الذي يصل إلى بعضكم من بعض في الحرب من الضرب والطعن، ولقد منّ الله سبحانه علينا حيث ذكر جميعَ نعمِه الفائضةِ على جميع الطوائف فبدأ بما يخُص المقيمين حيث قال:وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا } [النحل، الآية 80] ثم بما يخص المسافرين ممن لهم قدرةٌ على الخيام وأضرابِها حيث قال: { وَجَعَلَ لَكُمْ مّن جُلُودِ ٱلأَنْعَـٰمِ } الخ، ثم بما يعم من لا يقدر على ذلك ولا يأويه إلا الظلالُ حيث قال: { وَجَعَلَ لَكُمُ مّمَّا خَلَقَ ظِلَـٰلاً } الخ، ثم بما لا بد منه لأحد حيث قال: { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } الخ، ثم بما لا غنى عنه في الحروب حيث قال: { وَسَرٰبِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } ثم قال: { كَذٰلِكَ } أي مثلَ ذلك الإتمامِ البالغِ { يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } أي إرادةَ أن تنظروا فيما أسبغ عليكم من النعم الظاهرةِ والباطنةِ والأنفسيةِ والآفاقية فتعرِفوا حقَّ مُنعمِها فتؤمنوا به وحده وتذروا ما كنتم به تشركون وتنقادوا لأمره، وإفرادُ النعمة إما لأن المرادَ بها المصدرُ أو لإظهار أن ذلك بالنسبة إلى جانب الكبرياءِ شيءٌ قليل، وقرىء تَسلمون أي تسلمون من العذاب أو من الشرك، وقيل: من الجراح بلبس الدروع.

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } فعل ماض على طريقة الالتفات، وصرفُ الخطابِ عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليةٌ له أي فإن أعرضوا عن الإسلام ولم يقبلوا منك ما ألقيَ إليهم من البـينات والعِبر والعظات { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } أي فلا قصور من جهتك لأن وظيفتك هي البلاغُ الموضح أو الواضح وقد فعلتَه بما لا مزيد عليه فهو من باب وضعِ السببِ موضعَ المسبب.