الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ } عطف على قوله تعالى:وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } [النحل، الآية 72] منتظمٌ معه في سلك أدلةِ التوحيد من قوله تعالى:وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَاء مَآء } [النحل، الآية 65] وقولِه تعالى:وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ } [النحل، الآية 70] وقوله تعالى:وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [النحل، الآية 71] والأمهات ـ بضم الهمزة وقرىء بكسرها أيضاً ـ جمعُ الأم زيدت الهاء فيه كما زيدت في أهراق من أراق وشذّت زيادتُها في الواحدة، قال: [الرجز]
أُمهتي خِندِفُ والياسُ أبـي   
{ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } في موقع الحال أي غيرَ عالمين شيئاً أصلاً { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَـٰرَ وَٱلأَفْئِدَةَ } عطف على (أخرجكم) وليس فيه دلالةٌ على تأخر الجمعِ المذكورِ عن الإخراج لما أن مدلولَ الواو هو الجمعُ مطلقاً لا الترتيبُ، على أن أثر ذلك الجعلِ لا يظهر قبل الإخراج أي جعل لكم هذه الأشياءَ آلاتٍ تحصّلون بها العلمَ والمعرفة بأن تُحِسوا بمشاعركم جزئياتِ الأشياء وتُدركوها بأفئدتكم وتتنبهوا لما بـينها من المشاركات والمباينات بتكرر الإحساسِ فيحصل لكم علومٌ بديهيةٌ تتمكنون بالنظر فيها من تحصيل العلومِ الكسبـية. والأفئدة جمع فؤاد وهو وسطُ القلب وهو للقلب كالقلب من الصدر، وهو من جموع القلة التي جرت مَجرى جموعِ الكثرة، وتقديمُ المجرور على المنصوبات لما مر من الإيذان من أول الأمر بكون المجعول نافعاً لهم وتشويقِ النفس إلى المؤخر ليتمكن عند ورودِه عليها فضلَ تمكن { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } كي تعرِفوا ما أنعم به عليكم طوراً غِبَّ طَورٍ فتشكروه، وتقديمُ السمع على البصر لما أنه طريق تلقي الوحي أو لأن إدراكه أقدمُ من إدراك البصر، وإفرادُه باعتبار كونه مصدراً في الأصل.