الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ إِن تَحْرِصْ } خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرىء بفتح الراء وهي لغة { عَلَىٰ هُدَاهُمْ } أي إن تطلب هدايتَهم بجهدك { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ } أي فاعلم أنه تعالى لا يخلق الهدايةَ جبراً وقسراً فيمن يخلق فيه الضلالةَ بسوء اختيارِه، والمرادُ به قريش، وإنما وضع الموصولُ موضعَ الضمير للتنصيص على أنهم ممن حقت عليه الضلالةُ وللإشعار بعلة الحكم، ويجوز أن يكون المذكورُ علةً للجزاء المحذوف، أي إن تحرص على هداهم فلست بقادر على ذلك لأن الله لا يهدي من يُضله وهؤلاء من جملتهم، وقرىء لا يُهدىٰ على بناء المفعول أي لا يقدر أحدٌ على هداية من يضله الله تعالى، وقرىء لا يهَدّي بفتح الهاء وإدغام تاء يهتدي في الدال، ويجوز أن يكون يهدي بمعنى يهتدي، وقرىء يُضل بفتح الياء، وقرىء لا هاديَ لمن يُضِل ولمن أضل { وَمَا لَهُم مّن نَّـٰصِرِينَ } ينصرونهم في الهداية أو يدفعون العذابَ عنهم، وصيغة الجمع في الناصرين باعتبار الجمعية في الضمير فإن مقابلةَ الجمعِ بالجمع يقتضي انقسامَ الآحادِ إلى الآحاد لا لأن المرادَ نفيُ طائفةٍ من الناصرين من كل منهم.

{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ } شروع في بـيان فن آخرَ من أباطيلهم وهو إنكارُ البعث { جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } مصدرٌ في موقع الحال أي جاهدين في أيمانهم { لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } ولقد رد الله تعالى عليهم أبلغَ ردَ بقوله الحق { بَلَىٰ } أي بلى يبعثهم { وَعْداً } مصدر مؤكد لما دل عليه بلى، فإن ذلك موعدٌ من الله سبحانه، أو المحذوفِ، أو وعَد بذلك وعداً { عَلَيْهِ } صفة لوعداً أي وعداً ثابتاً عليه إنجازُه لامتناع الخُلفِ في وعده، أو لأن البعثَ من مقتضيات الحِكمة { حَقّاً } صفةٌ أخرى له أو نصبٌ على المصدرية أي حقَّ حقاً { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } لجهلهم بشؤون الله عز شأنه من العلم والقدرةِ والحكمة وغيرِها من صفات الكمالِ، وبما يجوز عليه وما لا يجوز وعدمِ وقوفِهم على سرّ التكوين والغايةِ القصوى منه، وعلى أن البعثَ مما يقتضيه الحكمةُ التي جرت عادتُه سبحانه بمراعاتها { لاَّ يَعْلَمُونَ } أنه يبعثهم فيِبْنون القولَ بعدمه أو أنه وعدٌ عليه حق فيكذبونه قائلين:لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا هَـٰذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [المؤمنون، الآية 83].