الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

{ مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ } خبرُ مبتدأ محذوف أي منفعتُهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعةٌ قليلة { وَلَهُمْ } في الآخرة { عَذَابٌ أَلِيمٌ } لا يكتنه كُنهُه.

{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ } خاصةً دون غيرِهم من الأولين والآخِرين { حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ } أي بقوله تعالى:حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } [الأنعام، الآية 146] { مِن قَبْلُ } متعلقٌ بقصصنا أو بحرمنا وهو تحقيقٌ لما سلف من حصر المحرمات فيما فُصّل بإبطال ما يخالفه من فرية اليهودِ وتكذيبهم في ذلك فإنهم كانوا يقولون: لسنا أول من حُرّمت عليه وإنما كانت محرمةً على نوح وإبراهيمَ ومَنْ بعدهما حتى انتهى الأمرُ إلينا { وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ } بذلك التحريم { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } حيث فعلوا ما عوقبوا عليه حسبما نعىٰ عليهم قولُه تعالى:فَبِظُلْمٍ مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَـٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [النساء، الآية 160]، ولقد ألقمهم الحجرَ قولُه تعالى:كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [آل عمران، الآية 93] روي أنه عليه الصلاة والسلام لما قال لهم ذلك بُهتوا ولم يجسَروا أن يُخرِجوا التوراةَ كيف وقد بُـيّن فيها أن تحريمَ ما حُرِّم عليهم من الطيبات لظلمهم وبغيهم عقوبةً وتشديداً أوضحَ بـيانٍ، وفيه تنبـيهٌ على الفرق بـينهم وبـين غيرهم في التحريم.

{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوء بِجَهَـٰلَةٍ } أي بسبب جهالةٍ أو ملتبسين بها ليعُمَّ الجهلُ بالله وبعقابه، وعدمِ التدبر في العواقب لغلبة الشهوة، والسوءُ يعم الافتراءَ على الله تعالى وغيرَه { ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ } أي من بعد ما عملوا ما عملوا، والتصريحُ به مع دَلالة ثم عليه للتأكيد والمبالغة { وَأَصْلَحُواْ } أي أصلحوا أعمالَهم أو دخلوا في الصلاح { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } من بعد التوبة { لَغَفُورٌ } لذلك السوءِ { رَّحِيمٌ } يثيب على طاعته تركاً وفعلاً، وتكريرُ قوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ } لتأكيد الوعدِ وإظهارِ كمال العناية بإنجازه، والتعرضُ لوصف الربوبـية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام مع ظهور الأثرِ في التائبـين للإيماء إلى أن إفاضةَ آثارِ الربوبـية من المغفرة والرحمة عليهم بتوسطه عليه السلام وكونِهم من أتباعه كما أشير إليه فيما مر.

{ إِنَّ إِبْرٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً } على حياله لحيازته من الفضائل البشريةِ ما لا تكاد توجد إلا متفرّقةً في أمة جمّةً حسبما قيل: [السريع]
ليس على الله بمستَنْكَر   أن يجمع العالَمَ في واحدِ
وهو رئيسُ أهل التوحيد وقدوةُ أصحابِ التحقيق جادل أهلَ الشرك وألقمهم الحجرَ ببـينات باهرةٍ لا تُبقي ولا تذر، وأبطل مذاهبَهم الزائفةَ بالبراهين القاطعة والحُججِ الدامغة، أو لأنه عليه السلام كان مؤمناً وحده والناسُ كلُّهم كفارٌ. وقيل: هي فُعْلة بمعنى مفعول كالرُّحلة والنُّخبة، من أمّه إذا قصده أو اقتدىٰ به فإن الناسَ كانوا يقصِدونه ويقتدون بسيرته لقوله تعالى:

السابقالتالي
2