الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }

{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } تعليلٌ لحِلّ ما أمرهم بأكله مما رزقهم، أي إنما حرم هذه الأشياءَ دون ما تزعُمون حرمتَه من البحائر والسوائبِ ونحوِها { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } بما اعتراه من الضرورة فتناول شيئاً من ذلك { غَيْرَ بَاغٍ } أي على مضطر آخرَ { وَلاَ عَادٍ } أي متجاوزٍ قدرَ الضرورة { فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي لا يؤاخذه بذلك، فأُقيم سببُه مُقامه، وفي التعرض لوصف الربوبـية إيماءٌ إلى علة الحكمِ وفي الإضافة إلى ضميره عليه السلام إظهارٌ لكمال اللطفِ به عليه السلام، وتصديرُ الجملة بإنما لحصر المحرماتِ في الأجناس الأربعة إلا ما ضُمّ إليه كالسّباع والحمُر الأهلية، ثم أكّد ذلك بالنهي عن التحريم والتحليل بأهوائهم فقال: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ } اللامُ صلةٌ مِثلُها في قوله تعالى:وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } [البقرة: 154] أي لا تقولوا في شأن ما تصفه ألسنتُكم من البهائم بالحل والحرمة في قولكم:مَا فِى بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأنْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوٰجِنَا } [الأنعام: 139] من غير ترتب ذلك الوصفِ على ملاحظةٍ وفكر فضلاً عن استناده إلى وحي أو قياس مبنيَ عليه { ٱلْكَذِبَ } منتصب بلا تقولوا، وقولُه تعالى: { هَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } بدلٌ منه ويجوز أن يتعلق بتصفُ على إرادة القولِ، أي لا تقولوا لما تصف ألسنتُكم فتقولُ: هذا حلالٌ وهذا حرام، وأن يكون مَقولُ المقدرِ حالاً من ألسنتكم، أي قائلةً هذا حلال الخ، ويجوز أن ينتصب الكذبَ بتصف ويتعلق هذا حلال الخ بلا تقولوا، واللامُ للتعليل وما مصدريةٌ، أي لا تقولوا: هذا حلالٌ وهذا حرام لوصف ألسنتِكم الكذبَ أي لا تُحِلوا ولا تحرّموا لمجرد وصفِ ألسنتكم الكذبَ وتصويرِها له بصورة مستحسنة وتزيـينِها له في المسامع كأن ألسنتَكم لكونها منشأً للكذب ومنبعاً للزور شخصٌ عالمٌ بكنهه ومحيطٌ بحقيقته يصفه للناس ويعرِّفه أوضحَ وصفٍ وأبـينَ تعريف، على طريقة الاستعارة بالكناية كما يقال وجهُه يصفُ الجمالَ وعينُه تصف السحرَ، وقرىء بالجر صفةً (لما) مع مدخولها كأنه قيل: لوصفها الكذبِ بمعنى الكاذبِ كقوله تعالى:بِدَمٍ كَذِبٍ } [يوسف، الآية 18] والمرادُ بالوصف وصفُها البهائمَ بالحل والحرمة، وقرىء الكُذُبُ جمع كَذوب بالرفع صفةٌ للألسنة وبالنصب على الشتم، أو بمعنى الكلِمِ الكواذب، أو هو جمعُ الكذاب من قولهم: كذب كذاباً ذكره ابن جني { لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } فإن مدارَ الحِلّ والحُرمة ليس إلا أمرُ الله تعالى فالحكمُ بالحل والحرمةِ إسنادٌ للتحليل والتحريم إلى الله سبحانه من غير أن يكون ذلك منه، واللامُ لام العاقبة.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } في أمر من الأمور { لاَ يُفْلِحُونَ } لا يفوزون بمطالبهم التي ارتكبوا الافتراءَ للفوز بها.