الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } * { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ }

{ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } لا تطمَحْ ببصرك طُموحَ راغب ولا تُدِمْ نظرك { إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ } من زخارفِ الدنيا وزينتها ومحاسنِها وزَهْرتِها { أَزْوٰجاً مّنْهُمْ } أصنافاً من الكفرة فإن ما في الدنيا من أصناف الأموالِ والذخائر بالنسبة إلى ما أوتيتَه مستحقَرٌ لا يُعبأ به أصلاً، وفي حديث أبـي بكر رضي الله تعالى عنه: " مَنْ أوتيَ القرآنَ فرآىٰ أن أحداً أوتيَ أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيماً وعظّم صغيراً " وروي (أنه وافَتْ من بُصرىٰ وأذْرِعاتَ سبعُ قوافلَ ليهود بني قُريظةَ والنّضِير فيها أنواعُ البَزِّ والطيب والجواهر وسائرُ الأمتعة فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموالُ لنا لتقوَّيْنا بها وأنفقناها في سبـيل الله، فقيل لهم: قد أُعطِيتم سبعَ آياتٍ وهي خير من هذه القوافل السبْع) { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } حيث لم يؤمنوا ولم ينتظِموا أتباعك في سلك ليتقوى بهم ضعفاءُ المسلمين، وقيل: أو أنهم المتمتعون به ويأباه كلمة على فإن تمتّعهم به لا يكون مداراً للحزن عليهم { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي تواضَعْ لهم وارفُق بهم وألِنْ جانبك لهم وطِبْ نفساً من إيمان الأغنياء.

{ وَقُلْ إِنّى أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } أي المنذِرُ المُظْهِر لنزول عذاب الله وحلولِه.

{ كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } قيل: إنه متعلق بقوله تعالى:وَلَقَدْ ءاتَيْنَـٰكَ } [الحجر، الآية 87] الخ، أي أنزلنا عليك كما أنزلنا على أهل الكتاب.

{ ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْءانَ عِضِينَ } أي قسَموه إلى حق وباطل، حيث قالوا عِناداً وعدواناً: بعضُه حقٌّ موافقٌ للتوراة والإنجيل، وبعضُه باطلٌ مخالفٌ لهما، أو اقتسموه لأنفسهم استهزاءً حيث كان يقول بعضُهم: سورةُ البقرة لي، وبعضُهم: سورةُ آلِ عمران لي وهكذا، أو قسموا ما قرأوا من كتبهم وحرّفوه فأقرّوا ببعضه وكذبوا ببعضه، وحُمل توسيطُ قوله تعالى: { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } [الحجر، الآية 88] على إمداد ما هو المرادُ بالكلام من التسلية، وعُقّب ذلك بأنه جلّ المقامُ عن التشبـيه، ولقد أوتيَ عليه الصلاة والسلام ما لم يؤتَ أحدٌ قبله ولا بعده مثلَه، وقيل: إنه متعلق بقوله: { إِنّى أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } فإنه في قوة الأمرِ بالإنذار، كأنه قيل: أنذِرْ قريشاً مثلَ ما أنزلنا على المقتسمين، يعني اليهودَ، وهو ما جرى على بني قريظةَ والنضير بأن جُعل المتوقَّعُ كالواقع وقد وقع كذلك، وأنت خبـيرٌ بأن ما يُشبَّه به العذابُ المنذَرُ لا بد أن يكون محققَ الوقوعِ معلومَ الحالِ عند المنذَرين إذ به تتحققُ فائدةُ التشبـيهِ، وهي تأكيدُ الإنذار وتشديدُه، وعذابُ بني قريظةَ والنضير مع عدم وقوعِه إذ ذاك لم يسبِقْ به وعدٌ ووعيد فهم منه في غفلة محضةٍ وشك مُريب، وتنزيلُ المتوقَّع منزلةَ الواقع له موقعٌ جليلٌ من الإعجاز لكن إذا صادف مقاماً يقتضيه كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4