الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } * { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ }

{ وَإِن كَانَ } إنْ مخففةٌ من إنّ، وضميرُ الشأن الذي هو اسمُها محذوفٌ واللام هي الفارقةُ أي وإن الشأن كان { أَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ } وهم قومُ شعيب عليه الصلاة والسلام، والأيكةُ والليكة الشجرةُ الملتفةُ المتكاثِفة، وكان عامة شجرِهم المقل وكانوا يسكنونها فبعثه الله تعالى إليهم { لَظَـٰلِمِينَ } متجاوزين عن الحد.

{ فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } بالعذاب. روي أن الله تعالى سلط عليهم الحرَّ سبعة أيام، ثم بعث سحابة فالتجأوا إليها يلتمسون الرَّوْحَ، فبعث الله تعالى عليهم منها ناراً فأحرقتهم، فهو عذابُ يوم الظلة { وَإِنَّهُمَا } يعني سدوم والأيكة، وقيل: والأيكة ومدينَ، فإنه عليه الصلاة والسلام كان مبعوثاً إليهما فذِكرُ أحدهما منبّهٌ على الآخر { لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } لبطريق واضحٍ، والإمام اسمُ ما يؤتمُّ به سُمِّيَ به الطريقُ ومطمر البناء واللوحُ الذي يكتب فيه لأنها مما يؤتم به.

{ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ ٱلحِجْرِ } يعني ثمود { ٱلْمُرْسَلِينَ } أي صالحاً، فإن مَنْ كذب واحداً من الأنبـياء عليهم السلام فقد كذب الجميعَ لاتفاقهم على التوحيد والأصولِ التي لا تختلف باختلاف الأممِ والأعصار، وقيل: المراد صالحٌ ومن معه من المؤمنين، كما قيل: الخُبـيبون لخبـيب بن عبدِ اللَّه بن الزبـير وأصحابه، وادٍ بـين المدينة والشام كانوا يسكنونه.

{ وَءاتَيْنَـٰهُمْ ءايَـٰتِنَا } وهي الآياتُ المنزلة على نبـيهم، أو المعجزاتُ من الناقة وسَقْيها وشِرْبها ودرّها، أو الأدلةُ المنصوبة لهم { فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } إعراضاً كليًّا، بل كانوا معارضين لها حيث فعلوا بالناقة ما فعلوا.

{ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا ءامِنِينَ } من الانهدام ونقْب اللصوص وتخريبِ الأعداء لوثاقتها، أو من العذاب لحُسبانهم أن ذلك يحميهم منه. " عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال: مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحِجْر فقال: «لا تدخُلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذراً أن يصيبَكم مثلُ ما أصاب هؤلاء»، ثم زجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم راحلته فأسرع حتى خلّفها "

{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } وهكذا وقع في سورة هود، قيل: صاح بهم جبريلُ عليه الصلاة والسلام، وقيل: أتتهم من السماء صيحةٌ فيها صوتُ كلِّ صاعقةٍ وصوتُ كل شيء في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم، وفي سورة الأعراف { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } أي الزلزلةُ ولعلها من روادف الصيحة المستتبِعةِ لتموّج الهواء تموجاً شديداً يفضي إليها كما مر في سورة هود.