الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } * { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } * { قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } * { إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ } * { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ }

{ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ } استفهامٌ إنكاريٌّ أي لا يقنط { مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } المخطِئون طريقَ المعرفة والصوابِ، فلا يعرِفون سعةَ رحمتِه وكمالَ علمه وقدرتِه كما قال يعقوب عليه الصلاة والسلام:لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } [يوسف: 87]، ومرادُه نفيُ القنوط عن نفسه على أبلغ وجهٍ، أي ليس بـي قنوطٌ من رحمته تعالى، وإنما الذي أقول لبـيان منافاةِ حالي لفيضان تلك النعمةِ الجليلة عليّ، وفي التعرض لوصف الربوبـيةِ والرحمةِ ما لا يخفى من الجزالة، وقرىء بضم النون، وبكسرها من قنَط بالفتح ولم تكن هذه المفاوضةُ من الملائكة مع إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام خاصة، بل مع سارَةَ أيضاً حسبما شُرح في سورة هود، ولم يُذكر ذلك هٰهنا اكتفاءً بما ذكر هناك كما أنه لم يُذكر هذه هناك اكتفاء بما ذكر هٰهنا.

{ قَالَ } أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وتوسيطُه بـين قوله السابقِ وبـين قوله: { فَمَا خَطْبُكُمْ } أي أمرُكم وشأنكم الخطيرُ الذي لأجله أُرسلتم سوى البشارةِ { أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } صريحٌ في أن بـينهما مقالةً مطويةً لهم أشير به إلى مكانها كما في قوله تعالى: { قَالَ أَءسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَءيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ } الآية، فإن قوله الأخيرَ ليس موصولاً بقوله الأول، بل هو مبنيٌّ على قوله تعالى:فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } [الحجر: 34] فإن توسيطَ قال بـين قوليه للإيذان بعدم اتصالِ الثاني بالأول وعدم ابتنائِه عليه بل على غيره، ثم خطابُه لهم عليهم الصلاة والسلام بعنوان الرسالةِ بعد ما كان خطابُه السابقُ مجرداً عن ذلك مع تصديره بالفاء، دليلٌ على أن مقالتهم المطويةَ كانت متضمنةً لبـيان أن مجيئَهم ليس لمجرد البشارةِ، بل لهم شأنٌ آخَرُ لأجله أُرسلوا فكأنه قال عليه الصلاة والسلام: وإن لم يكن شأنُكم مجردَ البشارة فماذا هو؟ فلا حاجة إلى الالتجاء إلى أن علمَه عليه الصلاة والسلام بأن كلَّ المقصود ليس البشارةَ بسبب أنهم كانوا ذوي عدد، والبِشارةُ لا تحتاج إلى عدد ولذلك اكتُفي بالواحد في زكريا عليه الصلاة والسلام ومريم، ولا إلى أنهم بشروه في تضاعيف الحالِ لإزالة الوجل ولو كانت تمامَ المقصود لابتدأوا بها فتأمل.

{ قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } هو قومُ لوط، وُصفوا بالإجرام وجيء بهم بطريق التنكيرِ ذمًّا لهم واستهانةً بهم.

{ إِلا ءالَ لُوطٍ } استثناءٌ متصلٌ من الضمير في مجرمين، أي إلى قوم أَجرموا جميعاً إلا آلَ لوط، فالقومُ والإرسالُ شاملان للمجرمين وغيرِهم، والمعنى إنا أرسلنا إلى قوم أجرَم كلُّهم إلا آلَ لوط لنُهلِك الأولين وننجِّيَ الآخرين، ويدل عليه قوله تعالى: { إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ } أي لوطاً وآلَه { أَجْمَعِينَ } أي مما يصيب القومَ، فإنه استئنافٌ للإخبار بنجاتهم لعدم إجرامِهم، أو لبـيان ما فُهم من الاستثناء من مطلق عدمِ شمولِ العذاب لهم، فإن ذلك قد يكون بكون حالهم بـين بـين، أو لتعليله، فإن مَنْ تعلّق بهم التنجيةُ بمنْجى من شمول العذاب.

السابقالتالي
2