الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } * { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ }

{ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } ورودُ الجوابِ بالجملة الاسمية مع التعرض لشمول ما سأله لآخرين على وجه يُؤذِنُ بكون السائلِ تبعاً لهم في ذلك، دليلٌ على أنه إخبارٌ بالإنظار المقدر لهم أزلاً، لا إنشاءٌ لإنظار خاصٍّ به وقع إجابةً لدعائه، أي إنك من جملة الذين أُخّرت آجالُهم أزلاً حسبما تقتضيه حكمةُ التكوين، فالفاءُ ليست لربط نفس الإنظار بالاستنظار بل لربط الإخبارِ المذكور به، كما في قوله: [الوافر]
فإن ترحم فأنت لذاك أهل   
فإنه لا إمكان لجعل الفاءِ فيه لربط ما فيه تعالى من الأهلية القديمةِ للرحمة بوقوع الرحمةِ الحادثة، بل هي لربط الإخبار بتلك الأهليةِ للرحمة بوقوعها، وأن استنظاره كان طلباً لتأخير الموتِ إذ به يتحقق كونُه من جملتهم، لا لتأخير العقوبه كما قيل، ونظمه في ذلك في سلك من أُخِّرت عقوبتُهم إلى الآخرة في علم الله تعالى ممن سبق من الجن ولحِق من الثقلين لا يلائم مقامَ الاستنظار مع الحياة، ولأن ذلك التأخيرَ معلومٌ من إضافة اليوم إلى الدين مع إضافته في السؤال إلى البعث كما عرفته، وفي سورة الأعراف:قَالَ أَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلمُنظَرِينَ } [الأعراف: 14و15] بترك التوقيتِ والنداءِ، والفاء في الاستنظار والإنظارِ تعويلاً على ما ذكر هٰهنا، وفي سورة ص، فإن إيراد كلامٍ واحد على أساليبَ متعددةٍ غيرُ عزيزٍ في الكتاب العزيز، وأما أن كل أسلوب من أساليب النظم الكريمِ لا بد أن يكون له مقامٌ يقتضيه مغايرٌ لمقام غيره، وأن ما حُكي من اللعين إنما صدر عنه مرة وكذا جوابُه لم يقع إلا دَفعةً، فمقامُ المجاورة إن اقتضى أحدَ الأساليبِ المذكورة فهو المطابقُ لمقتضى الحال والبالغُ إلى طبقة الإعجاز وما عداه قاصرٌ عن رتبة البلاغة فضلاً عن الارتقاء إلى معالم الإعجازِ، فقد مر تحقيقه بتوفيق الله تعالى في سورة الأعراف.

{ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } وهو وقتُ النفخة الأولى التي علم أنه يَصْعَق عندها من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله تعالى، ويجوز أن يكون المرادُ بالأيام واحداً، والاختلافُ في العبارات لاختلاف الاعتباراتِ، فالتعبـيرُ بـيوم البعث لأن غرض اللعين يتحقق، وبـيوم الدين لما ذُكر من الجزاء، وبـيوم الوقت المعلومِ لما ذُكر أو لاستئثاره تعالى بعلمه فلعل كلاًّ من هلاك الخلق جميعاً وبعثهم وجزائِهم في يوم واحد، يموت اللعينُ في أوله ويُبعث في أواسطه ويعاقب في بقيته. يُروى أن بـين موتِه وبعثه أربعين سنةً من سِني الدنيا مقدارَ ما بـين النفختين، ونقل عن الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى أنه قال: قدِمتُ المدينة أريد أميرَ المؤمنين عمرَ رضي الله تعالى عنه، فإذا أنا بحلقة عظيمة وكعبُ الأحبار فيها يحدث الناس وهو يقول: لما حضر آدمَ عليه الصلاة والسلام الوفاةُ قال: يا رب سيشمت بـي عدوي إبليسُ إذا رآني ميتاً وهو مُنْظَرٌ إلى يوم القيامة، فأجيب أنْ يا آدمُ إنك سترِد إلى الجنة ويؤخَّر اللعينُ إلى النظرة ليذوقَ ألمَ الموتِ بعدد الأولين والآخِرين، ثم قال لملك الموت: صِفْ كيف تذيقه الموتَ، فلما وصفه قال: يا رب حسبـي.

السابقالتالي
2