الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤرَ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } * { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ }

سورة الحجر

مكية إلا آية 87 فمدنية وآياتها تسع وتسعون آية

{ الۤرَ } قد مر الكلام فيه وفي محله في مطلع سورة الرعدِ وأخواتِها { تِلْكَ } إشارةٌ إليه أي تلك السورةُ العظيمةُ الشأن { آيَاتُ ٱلْكِتَـٰبِ } الكاملِ المعهود الغنيِّ عن الوصف به المشهورُ بذلك من بـين الكتب الحقيقُ باختصاص اسمِ الكتاب به على الإطلاق، أي بعضٌ منه مترجمٌ مستقلٌّ باسم خاصَ فهو عبارةٌ عن جميع القرآن أو عن الجميع المنزَلِ إذ ذاك إذ هو المتسارِعُ إلى الفهم حينئذ عند الإطلاق وعليه يترتب فائدةُ وصف الآياتِ بنعت ما أضيفت إليه من نعوت الكمالِ لا على جعله عبارةً عن السورة، إذ هي في الاتصاف بذلك ليست بتلك المرتبةِ من الشهرة حتى يُستغنىٰ عن التصريح بالوصف على أنها عبارةٌ عن جميع آياتها، فلا بد من جعل (تلك) إشارةٌ إلى كل واحد منها، وفيه من التكلف ما لا يخفى كما ذكر في سورة الرعد { وَقُرْءانٍ } أي قرآنٍ عظيمِ الشأن { مُّبِينٍ } مظهر لما في تضاعيفه من الحِكَم والأحكام أو لسبـيل الرشدِ والغيِّ أو فارقٍ بـين الحق والباطل والحلالِ والحرام، ولقد فُخّم شأنه العظيم مع ما جُمع فيه من وصفي الكتابـية والقرآنية على الطريقتين، إحداهما اشتمالُه على صفات كمالِ جنس الكتبِ الإلٰهيةِ فكأنه كلُّها، والثانيةُ طريقةُ كونِه ممتازاً عن غيره نسيجَ وحدِه بديعاً في بابه خارجاً عن دائرة البـيانِ، وأُخّرت الثانية لما أن الإشارةَ إلى امتيازه عن سائر الكتبِ بعد التنبـيه على انطوائه على كمالات غيرِه من الكتب أدخلُ في المدح كيلا يُتوَهّم من أول الأمرِ أن امتيازَه عن غيره لاستقلاله بأوصاف خاصةٍ به من غير اشتمالٍ على نعوت كمالِ سائرِ الكتب الكريمة، وهكذا الكلامُ في فاتحة سورةِ النمل خلا أنه قُدّم فيها القرآنُ على الكتاب لما سيذكر هناك. ولمّا بـيِّن كونُ السورة الكريمةِ بعضاً من الكتاب والقرآنِ لتوجيه المخاطَبـين إلى حُسن تلقّي ما فيها من الأحكام والقِصص والمواعظ شُرع في بـيان ما تتضمّنه فقيل:

{ رُّبَمَا } بضم الراء وتخفيف الباء المفتوحةِ، وقرىء بالتشديد وبفتح الراء مخففاً وبزيادة التاء مشدداً، وفيه ثماني لغات: فتح الراء وضمها مشدداً ومخففاً وبزيادة التاء أيضاً مشدداً ومخففاً، ورُبّ حرفُ جر لا يدخُل إلا على الاسم، وما كافةٌ مصحّحةٌ لدخوله على الفعل وحقُّه الدخولُ على الماضي، ودخولُه على قوله تعالى: { يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } لما أن المترقَّب في أخباره تعالى كالماضي المقطوعِ في تحقيق الوقوع، فكأنه قيل: ربما وَد الذين كفروا، والمرادُ كفرُهم بالكتاب والقرآن وبكونه من عند الله تعالى { لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } منقادين لحكمه ومذعِنين لأمره، وفيه إيذانٌ بأن كفرَهم إنما كان بالجحود بعد ما علموا كونَه من عند الله تعالى، وتلك الوَدادةُ يومَ القيامة أو عند موتهم أو عند معاينةِ حالِهم وحال المسلمين، أو عند رؤيتهم خروجَ عصاةِ المسلمين من النار.

السابقالتالي
2