الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }

{ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ } مجاراةً معهم في أول مقالتِهم وإنما قيل لهم لاختصاص الكلامِ بهم حيث أريد إلزامُهم بخلاف ما سلف من إنكار وقوعِ الشكِّ في الله سبحانه فإن ذلك عامٌ وإن اختص بهم ما يعقُبه { إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } كما تقولون { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ } بالنبوة { عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } يعنون أن ذلك عطيةٌ من الله تعالى يعطيها من يشاء من عباده بمحض الفضلِ والامتنان من غير داعيةٍ توجبه، قالوه تواضعاً وهضماً للنفس أو ما نحن من الملائكة بل نحن بشرٌ مثلُكم في الصورة أو في الدخول تحت الجنس، ولكن الله يمن بالفضائل والكمالاتِ والاستعدادات على من يشاء المنَّ بها وما يشاء ذلك إلا لعلمه باستحقاقه لها، وتلك الفضائلُ والكمالاتُ والاستعدادات هي التي يدور عليها فلكُ الاصطفاء للنبوة { وَمَا كَانَ } وما صح وما استقام { لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَـٰنٍ } أي بحجة من الحجج فضلاً عن السلطان المبـين بشيء من الأشياء وسببٍ من الأسباب { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } فإنه أمرٌ يتعلق بمشيئته تعالى إن شاء كان وإلا فلا { وَعَلَى ٱللَّهِ } وحده دون ما عداه مطلقاً { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أمرٌ منهم للمؤمنين بالتوكل ومقصودُهم حملُ أنفسِهم عليه آثرَ ذي أثيرٍ، ألا يُرى إلى قوله عز وجل: { وَمَا لَنَا } أيُّ عذرٍ لنا { أَن لا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ } أي في أن لا نتوكل عليه، ولإظهار النشاطِ بالتوكل عليه والاستلذاذِ بذكر اسمِه تعالى وتعليلِ التوكل { وَقَدْ هَدَانَا } أي والحالُ أنه قد فعل بنا ما يوجبه ويستدعيه حيث هدانا { سُبُلَنَا } أي أرشد كلاًّ منا سبـيله ومنهاجَه الذي شرَع له وأوجب عليه سلوكهَ في الدين، وحيث كانت أذيةُ الكفار مما يوجب القلقَ والاضطرابَ القادح في التوكل، قالوا على سبـيل التوكيد القسميِّ مظهرين لكمال العزيمة: { وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا اذَيْتُمُونَا } بالعِناد واقتراحِ الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه { وَعَلَى ٱللَّهِ } خاصة { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكّلُونَ } فليثبُت المتوكلون على ما أحدثوه من التوكل، والمرادُ هو المرادُ مما سبق من إيجاب التوكلِ على أنفسهم، والمرادُ بالمتوكّلين المؤمنون، والتعبـيرُ عنهم بذلك لسبق ذكرِ اتصافِهم به ويجوز أن يُرادَ وعليه فليتوكل مَنْ توكل دون غيره.