الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } * { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ }

{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وهم المستعجلون أيضاً، وإنما عدَل عن الإضمار إلى الموصول ذماً لهم ونعياً عليهم كفرَهم بآيات الله تعالى التي تخِرُّ لها صُمُّ الجبال حيث لم يرفعوا لها رأساً ولم يعُدّوها من جنس الآيات وقالوا: { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ } مثلَ آياتِ موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام عناداً ومكابرةً، وإلا ففي أدنىٰ آيةٍ أُنزلت عليه عليه الصلاة والسلام غُنيةٌ وعِبرةٌ لأولي الألباب { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ } مرسَلٌ للإنذار من سوء عاقبةِ ما يأتون ويذرون كدأب مَنْ قبلك من الرسل وليس عليك إلا الإتيانُ بما يُعلم به نُبوَّتُك، وقد حصل ذلك بما لا مزيدَ عليه ولا حاجة إلى إلزامهم وإلقامِهم الحجرَ بالإتيان بما اقترحوا من الآيات { وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ } معينٌ لا بالذات بل بعنوان الهدايةِ يعني لكل قوم نبـيٌّ مخصوصٌ له هدايةٌ مخصوصةٌ يقتضي اختصاصُ كلَ منهم بما يختص به حكماً لا يعلمها إلا الله أو لكل قوم هادٍ عظيمُ الشأنِ قادرٌ على ذلك هو الله سبحانه وما عليك إلا إنذارُهم فلا يُهِمَنك عنادُهم وإنكارُهم للآيات المنزّلةِ عليك وازدراؤهم بها ثم عقّبه بما يدل على كمال علمِه وقدرتِه وشمولِ قضائِه وقدَره المبنيَّـين على الحِكَم والمصالحِ تنبـيهاً على أن تخصيصَ كلِّ قومٍ ينبىء بجنس معين من الآيات إنما هو للحِكَم الداعية إلى ذلك إظهاراً لكمال قدرتِه على هدايتهم لكن لا يهدي إلا من تعلّق بهدايته مشيئتُه التابعةُ لِحكَم استأثر بعلمها فقال:

{ ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ } أي تحمِله فما موصولةٌ أريد بها ما في بطنها من حين العُلوقِ إلى زمن الولادةِ لا بعد تكاملِ الخلقِ فقط، والعلمُ متعدَ إلى واحد، أو أيَّ شيءٍ تحملُ وعلى أي حال هو من الأحوال المتواردةِ عليه طوراً فطوراً فهي استفهاميةٌ معلقةٌ للعلم أو حملَها فهي مصدرية { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } أي تنقُصه وتزداده في الجُثة كالخَديج والتام وفي المدة كالمولود في أقلِّ مدة الحملِ والمولود في أكثرها وفيما بـينهما. قيل: إن الضحاك ولد في سنتين، وهرِمَ ابن حيان في أربع ومن ذلك سُمِّي هرِماً، وفي العدد كالواحد فما فوقه. يروى أن شريكاً كان رابعَ أربعةٍ، أو يعلم نقصَها وازديادها لما فيها فالفعلان متعدّيان كما في قوله تعالى:وَغِيضَ ٱلْمَاء } [هود: 44] وقوله تعالى:وَٱزْدَادُواْ تِسْعًا } [الكهف: 25] وقوله:وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ } [يوسف: 65] أو لازمان قد أسندا إلى الأرحام مجازاً وهما لما فيها { وَكُلَّ شىْء } من الأشياء { عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } بقدر لا يمكن تجاوزُه عنه كقوله:إِنَّا كُلَّ شَىْء خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } [القمر: 49] فإن كل حادثٍ من الأعيان والأعراضِ له في كل مرتبةٍ من مراتب التكوينِ ومباديها وقتٌ معينٌ وحالٌ مخصوص لا يكاد يجاوزه، والمرادُ بالعندية الحضورُ العلميُّ بل العلمُ الحضوريُّ فإن تحقيقَ الأشياءِ في أنفسها في أي مرتبةٍ كانت مراتبُ الوجود والاستعداد لذلك علمٌ له بالنسبة إلى الله عز وجل.