الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

{ وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا } أي قرآناً ما وهو اسمُ أن والخبر قوله تعالى: { سُيّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } وجوابُ لو محذوفٌ لانسياق الكلام إليه بحيث يتلقّفه السامعُ من التالي والمقصودُ إما بـيانُ عِظم شأنِ القرآنِ العظيم وفساد رأي الكفرة حيث لم يقدروا قدرَه العليَّ ولم يعدّوه من قبـيل الآيات فاقترحوا غيره مما أوتي موسى وعيسى عليهما السلام وإما بـيانُ غلوهم في المكابرة والعِنادِ وتماديهم في الضلال والفساد فالمعنى على الأول لو أن قرآناً سُيّرت به الجبالُ أي بإنزاله أو بتلاوته عليها وزُعزعت عن مقارّها كما فُعل ذلك بالطور لموسى عليه الصلاة والسلام { أَوْ قُطّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ } أي شُقّقت وجُعلت أنهاراً وعيوناً كما فُعل بالحجر حين ضربه عليه السلام بعصاه أو جعلت قطعاً متصدّعة { أَوْ كُلّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } أي بعد أن أحيـيَ بقراءته عليها كما أحيـيتْ لعيسى عليه السلام لكان ذلك هذا القرآنَ لكونه الغايةَ القصوى في الانطواء على عجائبِ آثارِ قدرة الله تعالى وهيبته عز وجل كقوله تعالى:لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَـٰشِعاً مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [الحشر: 21] لا في الإعجاز إذ لا مدخل له في هذه الآثار ولا في التذكير والإنذار والتخويفِ لاختصاصها بالعقلاء مع أنه لا علاقةَ لها بتكليم الموتى، واعتبارُ فيض العقول إليها مُخلٌّ بالمبالغة المقصودة، وتقديمُ المجرور في المواضع الثلاثة على المرفوع لما مر غيرَ مرة من قصد الإبهام ثم التفسيرِ لزيادة التقريرِ، لأن بتقديم ما حقُّه التأخيرُ تبقى النفسُ مستشرفةً ومترقّبةً إلى المؤخر أنه ماذا؟ فيتمكّن عند ورودِه عليها فضلُ تمكن، وكلمةُ أو في الموضعين لمنع الخلوّ لا لمنع الجمع، واقتراحُهم وإن كان متعلقاً بمجرد ظهورِ مثل هذه الأفاعيلِ العجيبة على يده عليه السلام لا بظهورها بواسطة القرآنِ لكن ذلك حيث كان مبنياً على عدم اشتمالِه في زعمهم على الخوارق نيط ظهورُها به مبالغةً في بـيان اشتمالِه عليها وأنه حقيقٌ بأن يكون مصدراً لكل خارقٍ، وإبانةً لركاكة رأيهم في شأنه الرفيعِ كأنه قيل: لو أن ظهورَ أمثالِ ما اقترحوه من مقتَضيات الحِكمة لكان مظهرُها هذا القرآنَ الذي لم يعدّوه آية، وفيه من تفخيم شأنه العزيزِ ووصفِهم بركاكة العقلِ ما لا يخفى { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعًا } أي له الأمرُ الذي عليه يدور فلكُ الأكوان وجوداً وعدماً يفعل ما يشاء ويحكمُ ما يريد لما يدعو إليه من الحِكَم البالغةِ، وهو إضرابٌ عما تضمنته الشرطيةُ من معنى النفي لا بحسب منطوقِه بل باعتبار موجِبه ومؤدّاه أي لو أن قرآناً فُعل به ما ذكر لكان ذلك هذا القرآنَ، ولكن لم يُفعل بل فُعل ما عليه الشأنُ الآن لأن الأمرَ كلَّه له وحده فالإضرابُ ليس بمتوجِّهٍ إلى كون الأمرِ لله سبحانه بل إلى ما يؤدِّي إليه ذلك من كون الشأنِ على ما كان لما تقتضيه الحِكمة من بناء التكليف على الاختبار.

السابقالتالي
2 3