الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ }

{ قَالُواْ يَا أَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَـٰطِئِينَ } ومن حق من اعترف بذنبه أن يُصفح عنه ويُستغفرَ له فكأنهم كانوا على ثقة من عفوه عليه الصلاة السلام ولذلك اقتصروا على استدعاء الاستغفار وأدرجوا ذلك في الاستغفار.

{ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّى إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } وهذا مُشعرٌ بعفوه، قيل: أخّر الاستغفارَ إلى وقت السحر، وقيل: إلى ليلة الجمعة ليتحرّى به وقت الإجابة، وقيل: أخّره إلى أن يستحِلَّ لهم من يوسف عليه الصلاة والسلام أو يعلم أنه قد عفا عنهم فإن عفوَ المظلوم شرطُ المغفرة، ويعضُده أنه روي عنه أنه استقبل القِبلة قائماً يدعو وقام يوسفُ خلفه يؤمّن وقاموا خلفَهما أذلةً خاشعين عشرين سنة حتى إذا بلغ جهدَهم وظنوا أنها الهلكة نزل جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: إن الله قد أجاب دعوتَك في ولدك وعقدوا مواثيقهم بعدك على النبوة فإن صح ثبتت نبوتُهم وإن ما صدر عنهم إنما صدر قبل الاستنباء. وقيل: المرادُ الاستمرارُ على الدعاء فقد روي أنه كان يستغفر كلَّ ليلةِ جمعةٍ في نيّف وعشرين سنة، وقيل: قام إلى الصلاة في وقت السحر، فلما فرَغ رفع يديه فقال: اللهم اغفِرْ لي جزَعي على يوسف وقلةَ صبري عنه واغفِر لولدي ما أتوا إلى أخيهم فأوحى الله إليه أن الله قد غفر لك ولهم أجمعين.

{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ } روي أنه وجّه يوسفُ إلى أبـيه جَهازاً ومائتي راحلةٍ ليتجهز إليه بمن معه فاستقبله يوسفُ والملكُ في أربعة آلاف من الجند والعُظماء وأهلِ مصرَ بأجمعهم فتلقّوا يعقوبَ عليه الصلاة والسلام وهو يمشي متوكئاً على يهوذا فنظر إلى الخيل والناس فقال: يا يهوذا، أهذا فرعونُ مصرَ؟ قال: لا بل ولدُك، فلما لِقيه قال عليه الصلاة والسلام: السلامُ عليك يا مذهبَ الأحزان، وقيل: قال له يوسف: يا أبت بكَيتَ عليّ حتى ذهب بصرُك ألم تعلم أن القيامةَ تجمعنا؟ فقال: بلى، ولكني خشِيتُ أن يسلَبَ دينُك فيُحالَ بـيني وبـينك، وقيل إن يعقوبَ وولدَه دخلوا مصرَ وهم اثنان وسبعون ما بـين رجلٍ وامرأةٍ وكانوا حين خرجوا مع موسى ستَّمائةِ ألفٍ وخمسَمائةٍ وبضعةً وسبعين رجلاً سوى الذرية والهَرْمىٰ وكانت الذريةُ ألفَ ألفٍ ومائتي ألف.

{ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } أي أباه وخالتَه وتنزيلُها منزلةَ الأمِّ كتنزيل العمِّ منزلةَ الأب في قوله عز وجل:وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } [البقرة: 133] أو لأن يعقوبَ عليه الصلاة والسلام تزوّجها بعد أمّه، وقال الحسن وابنُ إسحاق: كانت أمُّه في الحياة فلا حاجة إلى التأويل، ومعنى آوى إليه ضمّهما إليه واعتنقهما وكأنه عليه الصلاة والسلام ضَرب في المُلتقىٰ مضرباً فنزل فيه فدخلوا عليه فآواهما إليه { وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء ٱللَّهُ ءامِنِينَ } من الشدائد والمكاره قاطبةً والمشيئةُ متعلقةٌ بالدخول على الأمن.