الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } * { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } * { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }



{ ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِى هَـٰذَا } قيل: هو الذي كان عليه حينئذ، وقيل: هو القميصُ المتوارَث الذي كان في التعويذ أمره جبريلُ بإرساله إليه وأوحى إليه أن فيحَ ريحِ الجنةِ لا يقع على مبتلىً إلا عُوفي { فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا } يكن بصيراً أو يأت إليَّ بصيراً، وينصره قوله: { وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } أي بأبـي وغيره ممن ينتظمه لفظُ الأهل جميعاً من النساء والذراري. قيل: إنما حمل القميصَ يهوذا وقال: أنا أحزنتُه بحمل القميصِ ملطخاً بالدم إليه فأُفرِحه كما أحزنته، وقيل: حمله وهو حافٍ حاسرٌ من مصر إلى كنعان وبـينهما مسيرةُ ثمانين فرسخاً.

{ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ } خرجت من عريش مصر، يقال: فصَل من البلد فصولاً إذا انفصل منه وجاوز حيطانَه، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما انفصل العير { قَالَ أَبُوهُمْ } يعقوبُ عليه الصلاة والسلام لمن عنده { إِنّى لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } أوجده الله سبحانه ما عبق بالقميص من ريح يوسف من ثمانين فرسخاً حين أقبل به يهوذا { لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ } أي تنسُبوني إلى الفند وهو الخرفُ وإنكارُ العقل وفسادُ الرأي مِنُ هرمٍ، يقال: شيخٌ مفنّد ولا يقال عجوزٌ مفنّدة إذ لم تكن في شبـيبتها ذاتَ رأي فتُفَنّد في كِبَرها، وجواب لولا محذوف أي لصدقتموني { قَالُواْ } أي الحاضرون عنده { تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ } لفي ذهابك عن الصواب قدُماً في إفراط محبتِك ليوسف ولَهجِك بذكره ورجائِك للقائه وكان عندهم أنه قد مات.

{ فَلَمَّا أَن جَاء ٱلْبَشِيرُ } وهو يهوذا { أَلْقَاهُ } أي ألقى البشيرُ القميصَ { عَلَىٰ وَجْهِهِ } أي وجه يعقوب أو ألقاه يعقوبُ على وجه نفسه { فَٱرْتَدَّ } عاد { بَصِيراً } لما انتعش فيه من القوة { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ } يعني قولَه: إني لأجد ريحَ يوسف، فالخطابُ لمن كان عنده بكنعان أو قولَه: ولا تيأسوا من رَوْح الله فالخطابُ لبنيه وهو الأنسب بقوله: { إِنّى أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } فإن مدارَ النهي المذكورِ إنما هو العلمُ الذي أوتي يعقوبُ من جهة الله سبحانه وعلى هذا يجوز أن يكون هذا مقولَ القولِ أي ألم أقل لكم ـ حين أرسلتكم إلى مصرَ وأمرتُكم بالتحسس ونهيتُكم عن اليأس من رَوْح الله تعالى ـ وأعلم من الله ما لا تعلمون من حياة يوسف عليه الصلاة والسلام. روي أنه سأل البشيرَ: كيف يوسف؟ فقال: هو ملِكُ مصرَ، قال: ما أصنع بالمُلك، على أي دينٍ تركتَه؟ قال: على دين الإسلام، قال: الآن تمت النِّعمة.