الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ }

{ قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ } أي لا تفتأ ولا تزال { تَذْكُرُ يُوسُفَ } تفجّعاً عليه فحُذف النفي كما في قوله:
فَقُلْتُ يَمينُ الله أَبْرَحُ قَاعِداً   [ولو قطعوا رأسي لديكِ وأوصالي]
لعدم الالتباس بالإثبات فإن القسمَ إذا لم يكن معه علامةُ الإثبات يكون على النفي البتةَ { حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } مريضاً مُشْفياً على الهلاك، وقيل: الحَرضُ مَنْ أذابه هم أو مرض وهو في الأصل مصدرٌ ولذلك لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع والنعت منه بالكسر كدنِف وقد قرىء به وبضمتين كجُنُب وغَرِب { أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَـٰلِكِينَ } أي الميتين { قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى } البثّ أصعبُ الهم الذي لا يصبر عليه صاحبُه فيبثّه إلى الناس أي ينشره فكأنهم قالوا له ما قالوا بطريق التسلية والإشكاءِ، فقال لهم: إني لا أشكو ما بـي إليكم أو إلى غيركم حتى تتصدّوا لتسليتي وإنما أشكو همي { وَحُزْنِى إِلَى ٱللَّهِ } تعالى ملتجئاً إلى جنابه متضرِّعاً لدى بابه في دفعه وقرىء بفتحتين وضمتين { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من لطفه ورحمته فأرجو أن يرحمني ويلطُفَ بـي ولا يُخيِّب رجائي أو أعلمَ ـ وحياً أو إلهاماً من جهته ـ ما لا تعلمون من حياة يوسف. قيل: رأى ملكَ الموتِ في المنام فسأله عنه فقال: هو حي، وقيل: علم من رؤيا يوسف عليه السلام أنه سيخرّ له أبواه وإخوتُه سجّداً.

{ يبَنِىَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ } أي تعرّفوا وهو تفعُّلٌ من الحَسّ وقرىء بالجيم من الجسّ وهو الطلب أي تطلبوا { مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ } أي من خبرهما ولم يذكر الثالثِ لأن غَيبته اختياريةٌ لا يعسُر إزالتها { وَلاَ تَايْـئَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } لا تقنَطوا من فرجه وتنفيسه وقرىء بضم الراء أي من رحمته التي يُحيـي بها العبادَ وهذا إرشادٌ لهم إلى بعض ما أُبهم في قوله: { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ثم حذرهم عن ترك العمل بموجب نهيه بقوله: { يبَنِىَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَايْـئَسُواْ مِن } لعدم علمِهم بالله تعالى وصفاتِه فإن العارفَ لا يقنط في حال من الأحوال.