الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } * { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

{ لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ } أي في قصتهم والمرادُ بهم هٰهنا إما جميعُهم ـ فإن لبنيامينَ أيضاً حصةً من القصة ـ أو بنو عَلاّته المعدودون فيما سلف إذ عليهم يدور رحاها { ءايَـٰتٌ } علاماتٌ عظيمةُ الشأنِ دالةٌ على قدرة الله تعالى القاهرة { لّلسَّائِلِينَ } لكل من سأل عن قصتهم وعرفها أو الطالبـين للآيات المعتبرين بها فإنهم الواقفون عليها والمنتفعون بها دون مَنْ عداهم ممن اندرج تحت قوله تعالى:وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [يوسف: 105] فالمرادُ بالقصة نفسُ المقصوص أو على نبوته عليه السلام لمن سأله من المشركين أو اليهود عن قصتهم فأخبرهم بذلك على ما هي عليه من غير سماعٍ من أحد ولا ممارسةِ شيء من الكتب فالمرادُ بها اقتصاصُها، وجمعُ الآيات حينئذ للإشعار بأن اقتصاصَ كلِّ طائفةٍ من القصة آيةٌ بـينةٌ كافيةٌ في الدلالة على نبوته عليه السلام على نحو ما ذكر في قوله تعالى:مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ } [البقرة: 125] على تقدير كونِه عطفَ بـيان لقوله تعالى: { آيَات بَيّنَات } لا لما قيل من أنه لتعدد جهةِ الإعجاز لفظاً ومعنى، وقرأ ابن كثير آيةٌ وفي بعض المصاحف عبرةٌ وقيل: إنما قص الله تعالى على النبـي صلى الله عليه وسلم خبرَ يوسفَ وبغْيَ إخوتِه عليه لِما رأى من بغْي قومه عليه ليتأسّى به { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ } أي شقيقُه بنيامينُ وإنما لم يذكَرْ باسمه تلويحاً بأن مدار المحبةِ أُخوّتُه ليوسف من الطرفين، ألا يُرى إلى أنهم كيف اكتفَوا بإخراج يوسفَ من البـين من غير تعرُّضٍ له حيث قالوا: اقتلوا يوسف { أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا } وحّد الخبر مع تعدد المبتدأ لأن أفعل من كذا لا يفرّق فيه بـين الواحدِ وما فوقه، ولا بـين المذكر والمؤنث، نعم إذا عُرّف وجب الفرقُ وإذا أضيف جاز الأمران، وفائدةُ لام الابتداءِ في يوسف تحقيقُ مضمونِ الجملة وتأكيدُه { وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } أي والحالُ أنا جماعةٌ قادرون على الحل والعقد أحقاءُ بالمحبة، والعُصبة والعِصابة العشَرةُ من الرجال فصاعداً سُمّوا بذلك لأن الأمورَ تُعصَب بهم { إِنَّ أَبَانَا } في ترجيحهما علينا في المحبة مع فضلنا عليهما وكونهما بمعزل من كفاية الأمورِ بالصِّغر والقلة { لَفِى ضَلَـٰلٍ } أي ذهب عن طريق التعديلِ اللائقِ وتنزيلِ كلَ منا منزلتَه { مُّبِينٍ } ظاهرِ الحال. روي أنه كان أحبَّ إليه لما يرى فيه من مخايل الخيرِ وكان إخوتُه يحسُدونه فلما رأى الرؤيا ضاعف له المحبة بحيث لم يصبِر عنه فتضاعف حسدُهم حتى حملهم على مباشرة ما قُص عنهم.