الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي منتهى اشتدادِ جسمه وقوتِه وهو سنُّ الوقوف ما بـين الثلاثين إلى الأربعين، وقيل: سنُّ الشباب ومبدأ بلوغِ الحُلُم والأولُ هو الأظهرُ لقوله تعالى: { آتَيْنَاهُ حُكْمًا } حِكمةً وهو العلم المؤيَّدُ بالعمل أو حكماً بـين الناس وفقهاً أو نبوة { وَعِلْماً } أي تفقهاً في الدين، وتنكيرُهما للتفخيم أي حكماً وعلماً لا يُكتنه كُنهُهما ولا يقادَرُ قدرُهما فهما ما آتاه الله تعالى عند تكاملِ قُواه سواءٌ كانا عبارةً عن النبوة والحُكم بـين الناس أو غيرِهما، كيف لا وقد جُعل إيتاؤهما جزاءً لعمله عليه السلام حيث قيل: { وَكَذٰلِكَ } أي مثلَ الجزاءِ العجيب { نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } أي كلَّ من يُحسِن في عمله فيجب أن يكون ذلك بعد انقضاءِ أعمالِه الحسنةِ التي من جملتها معاناةُ الأحزان والشدائدِ، وقد فُسّر العلمُ بعلم تأويلِ الأحاديث، ولا صحةَ له إلا أن يُخَصَّ بعلم تأويلِ رؤيا الملِك فإن ذلك حيث كان عند تناهي أيامِ البلاءِ صحّ أن يُعدَّ إيتاؤُه من جملة الجزاء، وأما رؤيا صاحبَـي السجن فقد لبث عليه السلام بعد تعبـيرِها في السجن بضعَ سنين. وفي تعليق الجزاءِ المذكورِ بالمحسنين إشعارٌ بعلّية الإحسان له وتنبـيهٌ على أنه سبحانه إنما آتاه ما آتاه لكونه محسناً في أعماله متّقياً في عنفوان أمرِههَلْ جَزَاء ٱلإحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإحْسَـٰنُ } [الرحمن: 60 ].