الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } * { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ }

{ قَالُواْ يا أَبَانَا } خاطبوه بذلك تحريكاً لسلسلة النسبِ بـينه وبـينهم وتذكيراً لرابطة الأخوّة بـينهم وبـين يوسفَ عليه الصلاة والسلام ليتسببوا بذلك إلى استنزاله عليه السلام عن رأية في حفظه منهم لمّا أحس منه بأمارات الحسد والبغي فكأنهم قالوا: { مَا لَكَ } أي أيُّ شيء لك { لاَ تَأْمَنَّا } أي لا تجعلنا أمناءَ { عَلَىٰ يُوسُفَ } مع أنك أبونا ونحن بنوك وهو أخونا { وَإِنَّا لَهُ لَنَـٰصِحُونَ } مريدون له الخيرَ ومشفقون عليه ليس فينا ما يُخلُّ بالنصيحة والمِقَة قطُّ والقراءة المشهورةُ بالإدغام والإشمام. وعن نافع رضي الله عنه تركُ الإشمام ومن الشواذ ترك الإدغام { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً } إلى الصحراء { يَرْتَعْ } أي يتسعْ في أكل الفواكه ونحوها فإن الرتع هو الاتساعُ في الملاذ { وَيَلْعَبْ } بالاستباق والتناضل ونظائرِهما مما يُعد من باب التأهّب للغزو، وإنما عبروا عن ذلك باللعب لكونه على هيئته تحقيقاً لما راموه من استصحاب يوسفَ عليه السلام بتصويرهم له بصورة ما يلائم حاله عليه السلام، وقرىء نرتعْ ونلعبْ بالنون، وقرأ ابن كثير نرتِع من ارتعى ونافع بالكسر والياء فيه وفي يلعب وقرىء يُرتِعْ من أرتع ماشيتَه ويرتعِ بكسر العين ويلعبُ بالرفع على الابتداء { وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ } من أن يناله مكروهٌ أكدوا مقالتَهم بأصناف التأكيدِ من إيراد الجملة اسميةً وتحليتها بإنّ واللام وإسنادُ الحفظ إلى كلهم وتقديمُ له على الخبر احتيالاً في تحصيل مقصدهم.

{ قَالَ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال من يقول: فماذا قال يعقوبُ عليه السلام؟ فقيل: قال: { إِنّى لَيَحْزُنُنِى } اللامُ للابتداء كما في قوله عز وجل:وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } [النحل: 124] { أَن تَذْهَبُواْ بِهِ } لشدة مفارقتِه عليّ وقلة صبري عنه { و } مع ذلك { أَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ ٱلذّئْبُ } لأن الأرض كانت مَذأبة والحزنُ ألمُ القلب بفوت المحبوبِ والخوفُ انزعاجُ النفسِ لنزول المكروهِ ولذلك أُسند الأولُ إلى الذهاب به المفوِّتِ لاستمرار مصاحبتِه ومواصلتِه ليوسف والثاني إلى ما يُتوقع نزولُه من أكل الذئبِ، وقيل: رأى في المنام أنه قد شد عليه ـ عليه السلام ـ ذئبٌ وكان يحذَره فقال ذلك، وقد لقنهم للعلة
إن البلاء موكل بالمنطق   
وقرأ ابن كثير، ونافع، في رواية البزي بالهمزة على الأصل، وأبو عمرو به وقفاً. وعاصم، وابنُ عامر، وحمزةُ درجاً وقيل: اشتقاقه من تذاءبت الريحُ إذا هاجت من كل جانب، وقال الأصمعي: الأمرُ بالعكس وهو أظهر لفظاً ومعنى { وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَـٰفِلُونَ } لاشتغالكم بالرتع واللِّعْب أو لقلة اهتمامِكم بحفظه.