الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } * { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ }

{ يَقْدُمُ قَوْمَهُ } جميعاً من الأشراف وغيرِهم { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي يتقدّمهم، من قدَمه بمعنى تقدّمه وهو استئنافٌ لبـيان حالِه في الآخرة أي كما كان قدوةً لهم في الضلال كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه، أو لتوضيح عدمِ صلاحِ مآلِ أمرِه وسوءِ عاقبتِه { فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ } أي يوردهم، وإيثارُ صيغةِ الماضي للدلالة على تحقق الوقوعِ لا محالة، شُبّه فرعونُ بالفارط الذي يتقدم الواردةَ إلى الماء، وأتباعُه بالواردة، والنارُ بالماء الذي يرِدُونه ثم قيل: { وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } أي بئس الوردُ الذي يرِدونه النارُ، لأن الورد إنما يراد لتسكين العطشِ وتبريدِ الأكباد والنارُ على ضد ذلك.

{ وَٱتَّبِعُـواْ } أي الملأُ الذين اتّبعوا أمرَ فرعون { فِى هَـٰذِهِ } أي في الدنيا { لَّعْنَةُ } عظيمةً حيث يلعنهم مَنْ بعدهم من الأمم إلى يوم القيامة { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أيضاً حيث يلعنهم أهلُ الموقفِ قاطبةً فهي تابعةٌ لهم حيثما ساروا دائرةٌ معهم أينما داروا في الموقف، فكما اتّبعوا فرعونَ اتّبعتْهم اللعنةُ في الدارين جزاء وفاقاً، واكتُفي ببـيان حالِهم الفظيعِ وشأنِهم الشنيعِ عن بـيان حالِ فرعونَ إذ حين كان حالُهم هكذا فما ظنُّك بحال مَن أغواهم وألقاهم في هذا الضلال البعيد وحيث كان شأنُ الأتباع أن يكونوا أعواناً للمتبوع جُعلت اللعنةُ رِفداً لهم على طريقة التهكّم فقيل: { بِئْسَ ٱلرّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } أي بئس العونُ المُعانُ، وقد فُسر الرفدُ بالعطاء ولا يلائمه المقام، وأصلُه ما يضاف إلى غيره ليُعمِّده والمخصوصُ بالذم محذوفٌ أي رفدُهم وهي اللعنةُ في الدارين، وكونُه مرفوداً من حيث أن كلَّ لعنة منها مُعِيْنةٌ ومُمِدّةٌ لصاحبتها ومؤيدةٌ لها.

{ ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى ما قُص من أنباء الأممِ وبعده باعتبار تقضّيه في الذكر والخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأٌ خبرُه { مِنْ أَنْبَاء ٱلْقُرَىٰ } المهلَكة بما جنتْه أيدي أهلِها { نَقُصُّهُ عَلَيْكَ } خبرٌ بعد خبرٍ أي ذلك النبأُ بعضُ أنباءِ القرى مقصوصٌ عليك { مِنْهَا } أي من تلك القرى { قَائِمٌ وَحَصِيدٌ } أي ومنها حصيد، حُذف لدلالة الأولِ عليه، شُبّه ما بقيَ منها بالزرع القائمِ على ساقه وما عفا وبطَل بالحصيد، والجملةُ مستأنفةٌ لا محل لها من الإعراب.