الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }

{ قَالُواْ } أي الرسل لمّا شاهدوا عجزَه عن مدافعة قومِه { يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ } بضرر ولا مكروهٍ فافتح الباب ودعنا وإياهم ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريلُ عليه السلام ربَّه ربَّ العزة جل جلاله في عقوبتهم فأذِن له فقام في الصورة التي يكون فيها فنشر جناحَه وله جناحان وعليه وشاح من دُرّ منظوم وهو برّاقُ الثنايا فضرب بجناحه وجوهَهم فطمَس أعينَهم وأعماهم كما قال عز وعلا:فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ } [القمر: 37] فصاروا لا يعرِفون الطريق فخرجوا وهم يقولون: النجاءَ فإن في بـيت لوطٍ قوماً سحَرة { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ } بالقطع، من الإسراء، وقرأ ابن كثير، ونافع، بالوصل حيث جاء في القرآن من السُّرى، والفاءُ لترتيب الأمر بالإسراءِ على الإخبار برسالتهم المؤذنِة بورود الأمرِ والنهي من جنابه عز وجل إليه عليه السلام { بِقِطْعٍ مّنَ ٱلَّيْلِ } في طائفة منه.

{ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ } أي لا يتخلفْ أو لا ينظُرْ إلى ورائه { أَحَدٌ } منك ومن أهلك، وإنما نُهوا عن ذلك ليجدّوا في السير فإن من يلتفتُ إلى ما وراءه لا يخلو عن أدنى وقفةٍ أو لئلا ترَوا ما ينزل من العذاب فترِقّوا لهم { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } استثناءٌ من قوله تعالى: { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ } ويؤيده أنه قرىء فأسرِ بأهلك بِقطْع من الليل إلا امرأتَك، وقرىء بالرفع على البدل من أحدٌ، فالالتفاتُ بمعنى التخلف، لا بمعنى النظر إلى الخَلف كيلا يلزمَ التناقضُ بـين القراءتين المتواترتين فإن النصبَ يقتضي كونَه عليه السلام غيرَ مأمورٍ بالإسراء بها، والرفعَ كونَه مأموراً بذلك، والاعتذارُ بأن مقتضى الرفعِ إنما هو مجردُ كونِها معهم وذلك لا يستدعي الأمرَ بالإسراء بها حتى يلزمَ المناقضةَ لجواز أن تسريَ هي بنفسها ـ كما يُرى أنه عليه السلام لما أَسْرى بأهله تبِعَتْهم فلما سمعت هدّة العذابِ التفتت وقالت: يا قوماه فأدركها حجرٌ فقتلها وأن يسرِيَ بها عليه السلام من غير أمرٍ بذلك إذ موجبُ النصبِ إنما هو عدمُ الأمر بالإسراء بها لا النهيُ عن الإسراء بها حتى يكونَ عليه السلام بالإسراء بها مخالفاً للنهي ـ لا يجدي نفعاً لأن انصرافَ الاستثناءِ إلى الالتفات يستدعي بقاءَ الأهل على العموم فيكون الإسراءُ بها مأموراً به قطعاً، وفي حمل الأهليةِ في إحدى القراءتين على الأهلية الدينية وفي الأخرى على النسَبـية ـ مع أن فيه ما لا يخفى من التحكم والاعتساف ـ كرٌّ على ما فُرّ منه من المناقضة، فالأَولى حينئذ جعلُ الاستثناءِ على القراءتين من قوله: { لا يَلْتَفِتْ } مثلَ الذي في قوله تعالى:مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ } [النساء: 66] فإن ابنَ عامر قرأه بالنصب وإن كان الأفصحَ الرفعُ على البدل، ولا بُعد في كون أكثرِ القراءِ على غير الأفصح ولا يلزم من ذلك أمرُها بالالتفات بل عدمُ نهيِها عنه بطريق الاستصلاح ولذلك علله على طريقة الاستئنافِ بقوله: { إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ } من العذاب، وهو إمطارُ الأحجار وإن لم يصبْها الخسفُ، والضميرُ في إنه للشأن وقوله تعالى: { مُصِيبُهَا } خبرٌ وقوله: { مَا أَصَـٰبَهُمُ } مبتدأٌ والجملةُ خبرٌ لإن الذي اسمُه ضميرُ الشأنِ، وفيه ما لا يخفى من تفخيم شأنِ ما أصابهم، ولا يحسُن جعلُ الاستثناءِ منقطعاً على قراءة الرفع.

السابقالتالي
2