الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } * { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }

{ وإلى عاد } متعلقٌ بمضمر معطوفٌ على قوله تعالى:أرسلنا } في قصة نوحٍ وهو الناصبُ لقوله تعالى: { أَخَاهُم } أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم أي واحداً منهم في النسَب كقولهم: يا أخا العرب، وتقديمُ المجرورِ على المنصوب هٰهنا للحِذارِ عن الإضمار قبل الذكر، وقيل: متعلّقٌ بالفعل المذكورِ فيما سبق وأخاهم معطوفٌ على نوحاً وقد مر في سورة الأعراف وقوله تعالى: { هُوداً } عطفُ بـيانٍ لأخاهم وكان عليه الصلاة والسلام من جملتهم فإن هودُ بنُ عبدِ اللَّه بنِ رباحِ بن الخلود بن العوص بن إرمَ بنِ سامِ بنِ نوحٍ عليه الصلاة والسلام، وقيل: هودُ بنُ شالح بنِ أرفخشذَ بنِ سامِ بن نوحٍ بنِ عمّ أبـي عاد، وإنما جعل منهم لأنهم أفهمُ لكلامه وأعرفُ بحاله وأرغبُ في اقتفائه { قَالَ } لما كان ذكرُ إرسالِه عليه الصلاة والسلام إليهم مظنةً للسؤال عما قال لهم ودعاهم إليه أُجيب عنه بطريق الاستئنافِ فقيل: { يَا قَوْمِ اعْبدُوا الله } أي وحده كما ينبىء عنه قوله تعالى: { مَا لَكُم مِّنْ إِلٰه غَيرُهُ } فإنه استئنافٌ يجري مَجرى البـيان للعبادة المأمورِ بها، والتعليلُ للأمر بها كأنه قيل: خُصّوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئاً، إذ ليس لكم من إلٰه سواه، وغيرُه بالرفع صفةٌ لإلٰه باعتبار محلِّه وقرىء بالجر حملاً له على لفظه { إِن أَنْتُم } ما أنتم باتخاذكم الأصنامَ شركاءَ له أو بقولكم: إن الله أمرنا بعبادتها { إلاَّ مُفْتَرُون } عليه تعالى عن ذلك علوّاً كبـيراً { يَا قَومِ لاَ أَسْأَلُكُم عَلَيهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي } خاطبَ به كلُّ نبـيَ قومَه إزاحةً لما عساهم يتوهّمونه وإمحاضاً للنصيحة فإنها ما دامت مشوبةً بالمطامع بمعزل عن التأثير، وإيرادُ الموصولِ للتفخيم، وجعلُ الصلةِ فعلَ الفطرةِ لكونه أقدامَ النعمِ الفائضةِ من جناب الله تعالى المستوجبةِ للشكر الذي لا يتأتى إلا بالجرَيان على موجب أمرِه الغالبِ مُعرِضاً عن المطالب الدنيوية التي من جملتها الأجرُ { أفَلاَ تَعْقِلُون } أي أتغفُلون عن هذه القضيةِ أو ألا تتفكرون فيها فلا تعقِلونها أو أتجهلون كلَّ شيءٍ فلا تعقلون شيئاً أصلاً فإن هذا مما لا ينبغي أن يخفىٰ على أحد من العقلاء.

{ ويَا قَومِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم } اطلُبوا مغفرتَه لما سلف منكم من الذنوب بالإيمان والطاعة { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } أي توسّلوا إليه بالتوبة، وأيضاً التبرُّؤُ من الغير إنما يكون بعد الإيمان بالله تعالى والرغبةِ فيما عنده { يُرْسِلِِ السَّمَاءَ } أي المطرَ { عَلَيكُمْ مِّدْرَاراً } أي كثيرَ الدّرور { ويزدْكُمْ قُوَّةً } مضافةً ومنضمّةً { إِلَى قُوَّتِكُم } أي يضاعفْها لكم، وإنما رغّبهم بكثرة المطرِ لأنهم كانوا أصحابَ زروعٍ وعمارات، وقيل: حبس الله تعالى عنهم القطرَ وأعقم أرحامَ نسائِهم ثلاث سنين فوعدهم عليه الصلاة والسلام كثرةَ الأمطارِ وتضاعُفَ القوة بالتناسل، على الإيمان والتوبة { وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ } أي لا تُعرضوا عما دعوتُكم إليه { مُجْرِمِينَ } مصِرِّين على ما كنتم عليه من الإجرام.