الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ }

{ قُلْ } تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرَ الناسَ بأن يغتنموا ما في مجيء القرآن العظيمِ من الفضل والرحمة { بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ } المرادُ بهما إما ما في مجيء القرآنِ من الفضل والرحمةِ وإما الجنسُ وهما داخلان فيه دخولاً أولياً، والباء متعلقةٌ بمحذوف، وأصلُ الكلام ليفرَحوا بفضل الله وبرحمته للإيذان باستقلالها في استيجاب الفرحِ ثم قُدّم الجارُّ والمجرورُ على الفعل لإفادة القصرِ ثم أُدخل عليه الفاءُ لإفادة معنى السببـيةِ فصار بفضل الله وبرحمته فليفرَحوا ثم قيل: { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } للتأكيد والتقريرِ ثم حُذف الفعلُ الأول لدلالة الثاني عليه والفاءُ الأولى جزائيةٌ والثانيةُ للدلالة على السببـية والأصلُ إن فرِحوا بشيء فبذلك ليفرحوا لا بشيء آخرَ، ثم أُدخل الفاءُ للدلالة على السببـية ثم حذف الشرطُ، ومعنى البُعد في اسم الإشارةِ للدلالة على بُعد درجةِ فضل الله تعالى ورحمتِه ويجوز أن يراد بفضل الله وبرحمته فلْيعتنوا فبذلك فليفرحوا، ويجوز أن يتعلق الباءُ بجاءتكم أي جاءتكم موعظةٌ بفضل الله وبرحمته فبذلك أي فبمجيئها فليفرَحوا وقرىء فلتفرحوا وقرأ أُبـيّ: فافرَحوا، وعن أُبـي بن كعب " أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تلا: «قل بفضلِ الله وبرحمتِهِ» فقالَ: «بكتاب الله والإسلامِ» " ، وقيل: فضلُه الإسلامُ ورحمتُه ما وعَد عليه.

{ هُوَ } أي ما ذكر من فضل الله ورحمته { خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } من حُطام الدنيا وقرىء تجمعون أي فبذلك فليفرَحِ المؤمنون هو خير مما تجمعون أيها المخاطَبون.

{ قُلْ أَرَءيْتُمْ } أي أخبروني { مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مّن رّزْقٍ } (ما) منصوبةُ المحلِّ بما بعدها أو بما قبلها واللامُ للدِلالة على أن المرادَ بالرزق ما حل لهم، وجعلُه منزلاً لأنه مقدّرٌ في السماء محصّلٌ هو أو ما يتوقف عليه وجوداً أو بقاءً بأسباب سماويةٍ من المطر والكواكبِ في الإنضاج والتلوين { فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ } أي جعلتم بعضَه { حَرَامًا } أي حكمتم بأنه حرامٌ { وَحَلاَلاً } أي وجعلتم بعضَه حلالاً أي حكمتم بحِلّه مع كون كلِّه حلالاً وذلك قولُهم:هَـٰذِهِ أَنْعَـٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ } [الأنعام: 138] الآية، وقولهم:مَا فِى بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوٰجِنَا } [الأنعام: 139] ونحوُ ذلك، وتقديمُ الحرامِ لظهور أثرَ الجعلِ فيه ودورانِ التوبـيخِ عليه { قُلْ } تكريرٌ لتأكيد الأمرِ بالاستخبار أي أخبروني { ٱللَّهِ أَذِنَ لَكُمْ } في ذلك الجعلِ فأنتم فيه ممتثلون بأمره تعالى { أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } أم متصلةٌ والاستفهامُ للتقرير والتبكيتِ لتحقق العلمِ بالشق الأخير قطعاً كأنه قيل: أم لم يأذنْ لكم بل تفترون عليه سبحانه، فأظهر الاسمَ الجليلَ وقدّم على الفعل دِلالةً على كمال قبحِ افترائِهم وتأكيداً للتبكيت إثرَ تأكيدٍ مع مراعاة الفواصلِ، ويجوز أن يكون الاستفهامُ للإنكار وأمْ منقطعةً، ومعنى بل فيها الإضرابُ والانتقال من التوبـيخ والزجرِ بإنكار الإذنِ إلى ما تفيده همزتُها من التوبـيخ على الافتراء عليه سبحانه وتقريرِه، وتقديمُ الجارِّ والمجرور على هذا يجوز أن يكون للقصر كأنه قيل: بل أعلى الله تعالى خاصة تفترون.