الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ }

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } كلامٌ مسأنفٌ مسوقٌ لبـيان بعضٍ آخرَ من أحوالهم الفظيعةِ، وتأخيرُه في الذكر مع تقدمه في الوجود على بعض أحوالِهم المحكيةِ سابقاً للإيذان باستقلال كلَ من السابق واللاحقِ بالاعتبار، ولو روعيَ الترتيبُ الخارجيُّ لعُدَّ الكلُّ شيئاً واحداً كما مر في قصة البقرة ولذلك فصل عما قبله، ويومَ منصوبٌ على المفعولية بمضمر أي أنذرْهم أو ذكرْهم، وضمير نحشُرهم لكلا الفريقين الذين أحسنوا والذين كسبوا السيئاتِ لأنه المتبادرُ من قوله تعالى: { جَمِيعاً } ومن أفراد الفريقِ الثاني بالذكر في قوله تعالى: { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } أي نقول للمشركين من بـينهم ولأن توبـيخَهم وتهديدَهم على رؤوس الأشهادِ أفظعُ والإخبارُ بحشر الكلِّ في تهويل اليومِ أدخل، وتخصيصُ وصفِ إشراكهم بالذكر في حيز الصلةِ من بـين سائر ما اكتسبوه من السيئات لابتناء التوبـيخِ والتقريعِ عليه مع ما فيه من الإيذان بكونه معظمَ جناياتِهم وعمدةَ سيئاتِهم، وقيل: للفريق الثاني خاصةً فيكون وضعُ الموصولِ موضعَ الضميرِ لما ذكر آنفاً { مَكَانَكُمْ } نُصب على أنه في الأصل ظرفٌ لفعيل أقيم مُقامه لا على أنه اسمُ فعل، وحركتُه حركةُ بناءٍ كما هو رأيُ الفارسي، أي الزَموه حتى تنظُروا ما يفعل بكم { أَنتُمْ } تأكيدٌ للضمير المنتقل إليه من عامله لسده مسدَّه { وَشُرَكَاؤُكُمْ } عطفٌ عليه وقرىء بالنصب على أن الواوَ بمعنى مع { فَزَيَّلْنَا } من زيّلت الشيء مكانه أُزيِّله أي أزلتُه، والتضعيف للتكثير لا للتعدية وقرىء فزايلنا بمعناه نحو كلّمتُه وكالمته وهو معطوفٌ على نقول، وإيثارُ صيغةِ الماضي للدِلالة على التحقق المورِّثِ لزيادة التوبـيخِ والتحسيرِ، والفاءُ للدِلالة على وقوع التزيـيل ومباديه عقيبَ الخطابِ من غير مُهلةٍ إيذاناً بكمال رخاوةِ ما بـين الفريقين من العلاقة والوصلةِ أي ففرقنا { بَيْنَهُمْ } وقطّعنا أقرانَهم والوصائل التي كانت بـينهم في الدنيا لكن لا من الجانبـين بل من جانب العبَدةِ فقط لعدم احتمالِ شمولِ الشركاءِ للشياطين كما سيجيء فخابت آمالُهم وانصرمت عُرى أطماعِهم وحصل لهم اليأسُ الكليُّ من حصول ما كانوا يرجونه من جهتهم، والحالُ وإن كانت معلومةً لهم من حين الموتِ والابتلاءِ بالعذاب لكن هذه المرتبةَ من اليقين إنما حصلت عند المشاهدةِ والمشافهةِ، وقيل: المرادُ بالتزيـيل التفريقُ الحسيُّ أي فباعدنا بـينهم بعد الجمعِ في الموقفِ وتبرُّؤ شركائِهم منهم ومن عبادتهم كما في قوله تعالى:أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا } [غافر: 73] فالواو حينئذ في قوله تعالى: { وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ } حاليةٌ بتقدير كلمةِ قد عند من يشترطها وبدونه عند غيرِه ولا عاطفة كما في التفسير الأول لاستدعاء المحاورةِ المحاضرةَ الفائتةَ بالمباعدة وليس في ترتيب التزيـيلِ بهذا المعنى على الأمر بلزوم المكانِ ما في ترتيبه عليه بالمعنى الأول من النكتة المذكورةِ ليُصار لأجل رعايتِها إلى تغيـير الترتيبِ الخارجيِّ فإن المباعدةَ بعد المحاورةِ حتماً، وأما قطعُ الأقران والعلائق فليس كذلك بل ابتداؤُه حاصلٌ من حين الحشر، بل بعضُ مراتبه حاصلٌ قبله أيضاً وإنما الحاصلُ عند المحاورةِ أقصاها كما أشير إليه اعتداداً بما في تقديمه من التغيـير لا سيما مع رعاية ماذكر من النكتة، ولو سلم تأخرُ جميعِ مراتبِه عن المحاورة فمراعاةُ تلك النكتةِ كافيةٌ في استدعاء تقديمِه عليها ويجوز أن تكون حاليةً على هذا التقديرِ أيضاً، والمرادُ بالشركاء قيل: الملائكةُ وعُزيرٌ والمسيحُ وغيرُهم ممن عبدوه من أولي العلم ففيه تأيـيدٌ لرجوع الضميرِ إلى الكل.

السابقالتالي
2