الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } * { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ قُلْ } مخاطِباً لأهل مكةَ بعثاً لهم على التدبر في ملكوت السمواتِ والأرض وما فيهما من تعاجيب الآياتِ الأنفسية والآفاقية ليتضحَ لك أنهم من الذين لا يعقِلون وحقّت عليهم الكلمة { ٱنْظُرُواْ } أي تفكروا وقرىء بنقل حركةِ الهمزةِ إلى لام قل { مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي أيُّ شيءٍ بديعٍ فيهما من عجائب صُنعه الدالةِ على وحدته وكمالِ قدرتِه على أن ماذا جعل بالتركيب اسماً واحداً مغلّباً فيه الاستفهامُ على اسم الإشارةِ فهو مبتدأٌ خبرُه الظرفُ ويجوز أن يكون (ما) مبتدأ وذا بمعنى الذي والظرفُ صلته والجملةُ خبرٌ للمبتدأ وعلى التقديرين فالمبتدأ والخبرُ في محل النصبِ بإسقاط الخافضِ وفعلُ النظر معلقٌ بالاستفهام { وَمَا تُغْنِى } أي ما تنفع وقرىء بالتذكير { الأَيَـٰتُ } وهي التي عبر عنها بقوله تعالى: { مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } { وَٱلنُّذُرُ } جمع نذير على أنه فاعل بمعنى منذر أو على أنه مصدر أي لا تنفع الآيات والرسل المنذرون أو الإنذارات { عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } في علم الله تعالى وحكمه فما نافية والجملة إما حالية أو اعتراضية ويجوز كون ما استفهاميةً إنكاريةً في موضع النصبِ على المصدرية أي أي إغناء تغني الخ، فالجملة حينئذ اعتراضية { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ } أي مشركوا مكة وأضرابهم { إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ } أي إلا يوماً مثل أيام الذين خلوا { مِن قَبْلِهِمُ } من مشركي الأممِ الماضية أي مثل وقائعهم ونزول بأس الله بهم إذ لا يستحقون غيره من قولهم أيام العرب لوقائعها { قُلْ } تهديداً لهم { فَٱنتَظِرُواْ } ما هو عاقبتكم { إِنّى مَعَكُم مّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } لذلك { ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا } بالتشديد وقرىء بالتخفيف وهو عطفٌ على مقدر يدل عليه قوله: مثل أيام الذين خلَوا وما بـينهما اعتراضٌ جيء به مسارعةً إلى التهديد ومبالغة في تشديد الوعيد كأنه قيل: أهلكنا الأمم نجينا رسلنا المرسلة إليهم.

{ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } وصيغةُ الاستقبالِ لحكاية الأحوالِ الماضية لتهويل أمرها باستحضار صورِها وتأخيرُ حكايةِ التنجيةِ عن حكاية الإهلاكِ على عكس ما في قوله تعالى:فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِى ٱلْفُلْكِ } [يونس: 73] الخ، ونظائِره الواردةِ في مواقعَ عديدة ليتصل به قولُه عز وجل: { كَذٰلِكَ } أي مثل ذلك الإنجاء { حَقّاً عَلَيْنَا } اعتراض بـين العامل والمعمول أي حق ذلك حقاً وقيل: بدل من المحذوف الذي ناب عنه كذلك أي إنجاء مثل ذلك حقاً والكاف متعلقة بقوله تعالى: { نُنَجِّى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي من كل شدة وعذاب والجملة تذيـيل لما قبلها مقرر لمضمونه والمرادُ بالمؤمنين إما الجنسُ المتناول للرسل عليهم السلام وإما الأتباعُ فقط وإنما لم يذكر إنجاء الرسل إيذاناً بعدم الحاجة إليه وأياً ما كان ففيه تنبـيهٌ على أن مدارَ النجاة هو الإيمان.