الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه في قوله { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } قال: إن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث منازل. منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة، خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم، وفي قوله { والذين آووا ونصروا } وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة وشهروا السيوف على من كذب وجحد، فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض، وفي قوله { والذين آمنوا ولم يهاجروا } قال: كانوا يتوارثون بينهم إذا توفي المؤمن المهاجر بالولاية في الدين، وكان الذي آمن لم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر، فبوأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم، وهي الولاية التي قال الله { ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق } وكان حقاً على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قوتلوا، إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق، ولا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذي لا ميثاق لهم، ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك: أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين آمنوا ولم يهاجروا، فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيباً مفروضاً لقولهوأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم } [الأنفال: 75].

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، فآخى بين حمزة بن عبد المطلب وبين زيد بن حارثة وبين عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء، وبين الزبير بن العوّام وعبد الله بن مسعود وبين أبي بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع. وقال لسائر أصحابه: تآخوا وهذا أخي - يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه - قال: فأقام المسلمون على ذلك حتى نزلت سورة الأنفال، وكان مما شدد الله به عقد نبيه صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا } إلى قوله { لهم مغفرة ورزق كريم } فأحكم الله تعالى بهذه الآيات العقد الذي عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، يتوارث الذين تآخوا دون من كان مقيماً بمكة من ذوي الأرحام والقرابات، فمكث الناس على ذلك العقد ما شاء الله، ثم أنزل الله الآية الأخرى فنسخت ما كان قبلها فقال { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام } والقرابات ورجع كل رجل إلى نسبه ورحمه، وانقطعت تلك الوراثة.

السابقالتالي
2 3