الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ }

أخرج ابن أبي حاتم أخبرنا أبو بدر عباد بن الوليد المغبري فيما كتب إلي قال: سمعت أبا سعيد أحمد بن داود الحداد يقول: إنه لم يقل الله لشيء أنه معه إلا للملائكة يوم بدر. قال: إني معكم بالنصر.

وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر.

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: قال أبي: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وان أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عليها نزلوا على الماء يوم بدر فغلبوا المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين الظمأ فجعلوا يصلون مجنبين ومحدثين؟ فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن فقال لهم: أتزعمون أن فيكم النبي صلى الله عليه وسلم وإنكم أولياء الله وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين؟ حتى تعاظم ذلك في صدور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فأنزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي، فشرب المؤمنون، وملأوا الأسقية، وسقوا الركاب، واغتسلوا من الجنابة، فجعل الله في ذلك طهوراً وثبت أقدامهم، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة، فبعث الله المطر عليها فلبدها حتى اشتدت وثبت عليها الأقدام، ونفر النبي صلى الله عليه وسلم بجميع المسلمين وهم يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً، منهم سبعون ومائتان من الأنصار وسائرهم من المهاجرين، وسيد المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة لكبر سنه.

فقال عتبة: يا معشر قريش إني لكم ناصح وعليكم مشفق لا أدخر النصيحة لكم بعد اليوم، وقد بلغتم الذي تريدون وقد نجا أبو سفيان فارجعوا وأنتم سالمون، فإن يكن محمد صادقاً فأنتم أسعد الناس بصدقه، وإن يك كاذباً فأنتم أحق من حقن دمه. فالتفت إليه أبو جهل فشتمه وفج وجهه وقال له: قد امتلأت أحشاؤك رعباً. فقال له عتبة: سيعلم اليوم من الجبان المفسد لقومه.

فنزل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، حتى إذا كانوا أقرب أسنة المسلمين قالوا: ابعثوا إلينا عدتنا منكم نقاتلهم. فقام غلمة من بني الخزرج فاجلسهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا بني هاشم أتبعثون إلى أخويكم - والنبي منكم - غلمة بني الخزرج؟ فقام حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، فمشوا إليهم في الحديد فقال عتبة: تكلموا نعرفكم، فإن تكونوا أكفاءنا نقاتلكم. فقال حمزة رضي الله عنه: أنا أسد الله وأسد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له عتبة: كفء كريم. فوثب إليه شيبة فاختلفا ضربتين فضربه حمزة فقتله، ثم قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة فاختلفا ضربتين فضربه علي رضي الله عنه فقتله، ثم قام عبيدة فخرج إليه عتبة فاختلفا ضربتين فجرح كل واحد منهما صاحبه، وكر حمزة على عتبة فقتله، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال " اللهم ربنا أَنْزَلْتَ عليَّ الكتاب وأمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا تخلف الميعاد " فأتاه جبريل عليه السلام، فأنزل عليه { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } [آل عمران: 124] فأوحى الله إلى الملائكة { إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } فقتل أبو جهل في تسعة وستين رجلاً، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صبراً، فوفى ذلك سبعين وأسر سبعون.

وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه بعدما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى، فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس، وأوحى الله: إليهم إني معكم فثبتوا الذين آمنوا، وتثبيتهم أن الملائكة عليهم السلام تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول: ابشروا فإنهم ليسوا بشيء والله معكم كروا عليهم، فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال: إني بريء منكم وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول: لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه كان على موعد من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمداً وأصحابه في الحبال، فلا تقتلوا وخذوهم أخذاً ".


السابقالتالي
2 3