الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { قال رب أرني } يقول: أعطني أنظر إليك.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { قال رب أرني أنظر إليك } قال: لما سمع الكلام طمع في الرؤية.

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: حين قال موسى لربه تبارك وتعالى { رب أرني أنظر إليك } قال الله له: يا موسى إنك لن تراني. قال: يقول ليس تراني. قال: لا يكون ذلك أبداً يا موسى إنه لا يراني أحد فيحيا. فقال موسى: رب أن أراك ثم أموت أحبُ إليَّ من أن لا أراك ثم أحيا. فقال الله لموسى: يا موسى أنظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد { فإن استقر مكانه } يقول: فإن ثبت مكانه لم يتضعضع ولم ينهد لبعض ما يرى عظمى { فسوف تراني } أنت لضعفك وذلتك، وإن الجبل تضعضع وأنهد بقوّته وشدته وعظمه فأنت أضعف وأذل.

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { رب أرني أنظر إليك } قال " قال الله عز وجل: يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده، ولا رطب إلا تفرق، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم ".

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإنه أكبر منك وأشد خلقاً. قال { فلما تجلى ربه للجبل } فنظر إلى الجبل لا يتمالك وأقبل الجبل يندك على أوّله ، فلما رأى موسى ما يصنع الجبل خرَّ موسى صعقاً.

وأخرج أبو مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما أوحى الله إلى موسى بن عمران: إني مكلمك على جبل طور سيناء، صار من مقام موسى إلى جبل طور سيناء أربعة فراسخ في أربعة فراسخ، رعد وبرق وصواعق فكانت ليلة قر، فجاء موسى حتى وقف بين يدي صخرة جبل صور سيناء، فإذا هو بشجرة خضراء، الماء يقطر منها وتكاد النار تلفح من جوفها، فوقف متعجباً فنودي من جوف الشجرة: يا ميشا. فوقف موسى مستمعاً للصوت...؟! فقال موسى: من هذا الصوت العبراني يكلمني؟! فقال الله له: يا موسى إني لست بعبراني، إني أنا الله رب العالمين. فكلم الله موسى في ذلك المقام بسبعين لغة، ليس منها لغة إلا وهي مخالفة للغة الأخرى، وكتب له التوراة في ذلك المقام، فقال موسى: إلهي أرني أنظر إليك. قال: يا موسى إنه لا يراني أحد إلا مات. فقال موسى: إلهي أرني إليك وأموت فأجاب موسى جبل طور سيناء: يا موسى بن عمران لقد سألت أمراً عظيماً، لقد ارتعدت السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن، وزالت الجبال واضطربت البحار لعظم ما سألت يا ابن عمران. فقال موسى وأعاد الكلام: رب أرني أنظر إليك. فقال: يا موسى أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فإنك تراني { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً } مقدار جمعة ، فلما أفاق موسى مسح التراب عن وجهه وهو يقول { سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين } فكان موسى بعد مقامه لا يراه أحد إلا مات ، واتخذ موسى على وجهه البرقع فجعل يكلم الناس بقفاه ، فبينا موسى ذات يوم في الصحراء فإذا هو بثلاثة نفر يحفرون قبراً حتى انتهوا إلى الضريح، فجاء موسى حتى أشرف عليهم فقال لهم: لمن تحفرون هذا القبر؟ قالوا له: الرجل كأنه أنت أو مثلك أو في طولك أو نحوك. فلو نزلت فقدرنا عليك هذا الضريح. فنزل موسى فتمدد في الضريح ، فأمر الله الأرض فانطبقت عليه ".


السابقالتالي
2 3 4