الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }

أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك، إنما قالوا: هل تستطيع أنت، ربك هل تستطيع أن تدعوه.

وأخرج الحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه عن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل عن قول الحواريين { هل يستطيع ربك } أو تستطيع ربك؟ فقال؟ أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم { هل تستطيع ربك } بالتاء.

وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه قرأها " هل تستطيع ربك " بالتاء ونصب ربك.

وأخرج أبو عبيد وابن جرير عن سعيد بن جبير أنه قرأها " هل تستطيع ربك " قال: هل تستطيع أن تسأل ربك.

وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر الشعبي أن علياً كان يقرأها { هل يستطيع ربك } قال: هل يعطيك ربك.

وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب وأبي رجاء أنهما قرآ { هل يستطيع ربك } بالياء والرفع.

وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء } قال: قالوا: هل يطيعك ربك إن سألته، فأنزل الله عليهم مائدة من السماء فيها جميع الطعام إلا اللحم، فأكلوا منها.

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { مائدة } قال: المائدة الخوان. وفي قوله { وتطمئن } قال: توقن.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا } يقول: نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيداً نعظمه نحن ومن بعدنا.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا } قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وأبو بكر الشافعي في فوائده المعروفة بالغيلانيات عن سلمان الفارسي قال: لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة كره ذلك جداً، وقال: اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض، ولا تسألوا المائدة من السماء فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم، وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية، فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها، فأبوا إلا أن يأتيهم بها، فلذلك { قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين }.

فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها قام فألقى عنه الصوف، ولبس الشعر الأسود، وجبة من شعر، وعباءة من شعر، ثم توضأ واغتسل ودخل مصلاه، فصلى ما شاء الله، فلما قضى صلاته قام قائماً مستقبل القبلة، وصف قدميه حتى استويا فألصق الكعب بالكعب، وحاذي الأصابع بالأصابع، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره، وغض بصره، وطأطأ رأسه خشوعاً، ثم أرسل عينيه بالبكاء، فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه، فلما رأى ذلك دعا الله فقال { اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا } تكون عظة منك لنا { وآية منك } أي علامة منك تكون بيننا وبينك، وارزقنا عليها طعاماً نأكله { وأنت خير الرازقين }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6