الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ }

أخرج الفريابي والحكيم الترمذي والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً } قال: هو الشيطان الذي كان على كرسيه يقضي بين الناس أربعين يوماً، وكان لسليمان عليه السلام امرأة يقال لها جرادة، وكان بين بعض أهلها وبين قوم خصومة، فقضى بينهم بالحق إلا أنه ودَّ أن الحق كان لأهلها؛ فأوحى الله تعالى إليه: أنه سيصيبك بلاء، فكان لا يدري يأتيه من السماء أم من الأرض.

وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم بسند قوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد سليمان عليه السلام أن يدخل الخلاء، فأعطى الجرادة خاتمه، وكانت جرادة امرأته، وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان في صورة سليمان، فقال لها: هاتي خاتمي، فأعطته، فلما لبسه دانت له الجن والإِنس والشياطين، فلما خرج سليمان عليه السلام من الخلاء قال لها: هاتي خاتمي. فقالت: قد أعطيته سليمان قال: أنا سليمان قالت: كذبت لست سليمان. فجعل لا يأتي أحداً يقول أنا سليمان إلا كذبه حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة، فلما رأى ذلك عرف أنه من أمر الله عز وجل، وقام الشيطان يحكم بين الناس.

فلما أراد الله تعالى أن يرد على سليمان عليه السلام سلطانه، ألقى في قلوب الناس انكار ذلك الشيطان، فارسلوا إلى نساء سليمان عليه السلام فقالوا لهن: أيكون من سليمان شيء؟ قلن: نعم. إنه يأتينا ونحن حيض، وما كان يأتينا قبل ذلك.

فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له، ظن أن أمره قد انقطع، فكتبوا كتباً فيها سحر ومكر، فدفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أثاروها وقرأوها على الناس قالوا: بهذا كان يظهر سليمان على الناس ويغلبهم، فأكفر الناس سليمان، فلم يزالوا يكفرونه، وبعث ذلك الشيطان بالخاتم، فطرحه في البحر، فتلقته سمكة فأخذته، وكان سليمان عليه السلام يعمل على شط البحر بالأجر، فجاء رجل فاشترى سمكاً فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فدعا سليمان عليه السلام فقال: تحمل لي هذه السمك؟ ثم انطلق إلى منزله، فلما انتهى الرجل إلى باب داره، أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فأخذها سليمان عليه السلام، فشق بطنها فإذا الخاتم في جوفها، فأخذه فلبسه، فلما لبسه دانت له الانس والجن والشياطين، وعاد إلى حاله، وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر، فأرسل سليمان عليه السلام في طلبه، وكان شيطاناً مريداً يطلبونه ولا يقدرون عليه، حتى وجدوه يوماً نائماً، فجاؤوا فنقبوا عليه بنياناً من رصاص، فاستيقظ، فوثب، فجعل لا يثبت في مكان من البيت إلا أن دار معه الرصاص، فأخذوه وأوثقوه وجاؤوا به إلى سليمان عليه السلام، فأمر به فنقر له في رخام، ثم أدخل في جوفه، ثم سد بالنحاس، ثم أمر به فطرح في البحر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6