الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }

أخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن داود عليه السلام حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم، فقيل له إنك ستبتلى وستعلم اليوم الذي تبتلى فيه، فخذ حذرك فقيل له: هذا اليوم الذي تبتلى فيه، فأخذ الزبور، ودخل المحراب، وأغلق باب المحراب، وأدخل الزبور في حجره، وأقعد منصفاً على الباب، وقال لا تأذن لأحد عليّ اليوم.

فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر مذهب كأحسن ما يكون للطير، فيه من كل لون، فجعل يدرج بين يديه، فدنا منه، فأمكن أن يأخذه، فتناوله بيده ليأخذه، فطار فوقه على كوّة المحراب، فدنا منه ليأخذه، فطار فأشرف عليه لينظر أين وقع، فإذا هو بامرأة عند بركتها تغتسل من الحيض، فلما رأت ظله حركت رأسها، فغطت جسدها أجمع بشعرها، وكان زوجها غازياً في سبيل الله، فكتب داود عليه السلام إلى رأس الغزاة. انظر فاجعله في حملة التابوت، أما أن يفتح عليهم، وإما أن يقتلوا. فقدمه في حملة التابوت فقتل.

فلما انقضت عدتها خطبها داود عليه السلام، فاشترطت عليه أن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة من بعده، وأشهدت عليه خمساً من بني إسرائيل، وكتبت عليه بذلك كتاباً، فأشعر بنفسه أنه كتب حتى ولدت سليمان عليه الصلاة والسلام وشب، فتسوّر عليه الملكان المحراب، فكان شأنهما ما قص الله تعالى في كتابه، وخر داود عليه السلام ساجداً، فغفر الله له، وتاب عليه.

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما أصابه القدر إلا من عجب عجب بنفسه. وذلك أنه قال يا رب ما من ساعة من ليل ونهار إلا وعابد من بني إسرائيل يعبدك، يصلي لك، أو يسبح، أو يكبر، وذكر أشياء، فكره الله ذلك فقال " يا داود إن ذلك لم يكن إلا بي، فلولا عوني ما قويت عليه؛ وجلالي لآكِلُكَ إلى نفسك يوماً. قال: يا رب فاخبرني به، فأصابته الفتنة ذلك اليوم.

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن أبي حاتم بسند ضعيف عن أنس رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن داود عليه السلام حين نظر إلى المرأة قطع على بني إسرائيل، وأوصى صاحب الجيش فقال: إذا حضر العدو تضرب فلاناً بين يدي التابوت، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به، من قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل، أو ينهزم منه الجيش. فقتل وتزوّج المرأة، ونزل الملكان على داود عليه السلام، فسجد فمكث أربعين ليلة ساجداً حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، فأكلت الأرض جبينه وهو يقول في سجوده: رب زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب. رب إن لم ترحم ضعف داود، وتغفر ذنوبه جعلت ذنبه حديثاً في المخلوق من بعده.

فجاء جبريل عليه السلام من بعد أربعين ليلة فقال: يا داود إن الله قد غفر لك، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال: يا رب دمي الذي عند داود؟ قال جبريل: ما سألت ربك عن ذلك، فإن شئت لأفعلن فقال: نعم. ففرح جبريل، وسجد داود عليه السلام، فمكث ما شاء الله، ثم نزل فقال: قد سألت الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه. فقال: قل لداود إن الله يجمعكما يوم القيامة فيقول " هب لي دمك الذي عند داود فيقول: هو لك يا رب فيقول: فإن لك في الجنة ما شئت، وما اشتهيت عوضاً " ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10