الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } * { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } * { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ }

أخرج الحاكم عن وهب قال: داود بن إيشا بن عويد بن عابر من ولد يهوذا بن يعقوب، وكان قصيراً أزرق قليل الشعر طاهر القلب.

وأخرج ابن جرير عن مرة رضي الله عنه في قوله: { إذ يحكمان في الحرث } قال: كان الحرث نبتاً، فنفشت فيه ليلاً فاختصموا فيه إلى داود فقضى بالغنم لأصحاب الحرث، فمروا على سليمان فذكروا ذلك له فقال: لا تدفع الغنم. فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا عاد كما كان ردوا عليهم فنزلت { ففهمناها سليمان }.

وأخرج ابن جرير وابن مردويه والحاكم و البيهقي في سننه، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم } قال: كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان: أغير هذا يا نبي الله؟ قال: وما ذاك؟ قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم لصاحبه ودفعت الغنم إلى صاحبها. فذلك قوله: { ففهمناها سليمان }.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مسروق قال: الحرث الذي { نفشت فيه غنم القوم } إنما كان كرماً نفشت فيه غنم القوم فلم تدع فيه ورقة ولا عنقوداً من عنب إلا أكلته، فأتوا داود فأعطاهم رقابها، فقال سليمان: إن صاحب الكرم قد بقي له أصل كرمه وأصل أرضه، بل تؤخذ الغنم فيعطاها أهل الكرم فيكون لهم لبنها وصوفها ونفعها، ويعطى أهل الغنم الكرم فيعمرونه ويصلحونه حتى يعود كالذي كان ليلة نفشت فيه الغنم، ثم يعطى أهل الغنم غنمهم وأهل الكرم كرمهم.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: { وداود وسليمان } إلى قوله: { وكنا لحكمهم شاهدين } يقول: كنا لما حكما شاهدين، وذلك أن رجلين دخلا على داود: أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا أرسل غنمه في حرثي فلم تبق من حرثي شيئاً. فقال له داود: اذهب فإن الغنم كلها لك. فقضى بذلك داود، ومر صاحب الغنم بسليمان فأخبره بالذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود فقال: يا نبي الله، إن القضاء سوى الذي قضيت. فقال: كيف؟ قال سليمان: إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كل عام، فله من صاحب الغنم أن ينتفع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث، فإن الغنم لها نسل كل عام. فقال داود: قد أصبت، القضاء كما قضيت. ففهمها الله سليمان.

وأخرج ابن جرير وعبد الرزاق عن مجاهد في الآية قال: أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث، وحكم سليمان بجزة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعليهم رعاؤها ويحرث لهم أهل الغنم حتى يكون الحرث كهيئته يوم أكل، ثم يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6