الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ }

أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن ابن عباس قال: كانت مدينتان في بني إسرائيل. وأحداهما حصينة ولها أبواب، والأخرى خربة. فكان أهل المدينة الحصينة إذا أمسوا أغلقوا أبوابها، فإذا أصبحوا قاموا على سور المدينة فنظروا هل حدث فيما حولها حادث، فأصبحوا يوماً فإذا شيخ قتيل مطروح بأصل مدينتهم، فأقبل أهل المدينة الخربة فقالوا: قتلتم صاحبنا وابن أخ له شاب يبكي عليه ويقول: قتلتم عمي. قالوا: والله ما فتحنا مدينتنا منذ أغلقناها، وما لدينا من دم صاحبكم هذا! فأتوا موسى، فأوحى الله إلى موسى { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } إلى قوله { فذبحوها وما كادوا يفعلون }.

قال: وكان في بني إسرائيل غلام شاب يبيع في حانوت له، وكان له أب شيخ كبير، فأقبل رجل من بلد آخر يطلب سلعة له عنده فأعطاه بها ثمناً، فانطلق معه ليفتح حانوته فيعطيه الذي طلب والمفتاح مع أبيه، فإذا أبوه نائم في ظل الحانوت فقال: أيقظه. قال ابنه: إنه نائم وأنا أكره أن أروّعه من نومته. فانصرفا فأعطاه ضعف ما أعطاه على أن يوقظه فأبى، فذهب طالب السلعة. فاستيقظ الشيخ فقال له ابنه: يا أبت والله لقد جاء ههنا رجل يطلب سلعة كذا، فأعطى بها من الثمن كذا وكذا، فكرهت أن أروعك من نومك فلامه الشيخ، فعوّضه الله من بره بوالده أن نتجت من بقر تلك البقرة التي يطلبها بنو إسرائيل، فأتوه فقالوا له: بعناها فقال: لا. قالوا: إذن نأخذ منك. فأتوا موسى فقال: اذهبوا فارضوه من سلعته. قالوا: حكمك؟ قال: حكمي أن تضعوا البقرة في كفة الميزان وتضعوا ذهباً صامتاً في الكفة الأخرى، فإذا مال الذهب أخذته ففعلوا، وأقبلوا بالبقرة حتى انتهوا بها إلى قبر الشيخ، واجتمع أهل المدينتين فذبحوها، فضرب ببضعة من لحمها القبر، فقام الشيخ ينفض رأسه يقول: قتلني ابن أخي طال عليه عمري وأراد أخذ مالي ومات.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبيدة السلماني قال: كان رجل من بني إسرائيل عقيماً لا يولد له، وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه، فقتله ثم احتمله ليلاً فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم إلى بعض، فقال ذوو الرأي منهم: علام يقتل بعضكم بعضاً وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى فذكروا ذلك له فقال { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } قال: فلو لم يعترضوا لاجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم، حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها، فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهباً، فذبحوها فضربوه ببعضها فقام، فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا لابن أخيه ثم مال ميتاً، فلم يعط من ماله شيئاً ولم يورث قاتل بعد.

السابقالتالي
2 3