الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

أخرج ابن أبي عمر العدني في سنده وابن أبي حاتم عن سلمان قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم، فذكر من صلاتهم وعبادتهم، فنزلت { إن الذين آمنوا والذين هادوا... } الآية.

وأخرج الواحدي عن مجاهد قال: لما قص سلمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة أصحابه قال: هم في النار. قال سلمان: فأظلمت علي الأرض، فنزلت { إن الذين آمنوا والذين هادوا } إلى قوله { يحزنون } قال: فكأنما كشف عني جبل.

وأخرج ابن جرير واللفظ له وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { إن الذين آمنوا والذين هادوا... } الآية. قال: نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي، وكان سلمان رجلاً من جند نيسابور، وكان من أشرافهم، وكان ابن الملك صديقا له مؤاخياً لا يقضي واحد منهما أمر دون صاحبه، وكانا يركبان إلى الصيد جميعاً، فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباءة، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه وهو يبكي فسألاه ما هذا؟ فقال: الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما، فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما، فنزلا إليه فقال لهما: هذا كتاب جاء من عند الله، أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته، فيه أن لا تسرق ولا تزني ولا تأخذ أموال الناس بالباطل، فقص عليهما ما فيه وهو الإِنجيل الذي أنزل الله على عيسى، فوقع في قلوبهما وتابا فاسلما، وقال لهما: إن ذبيحة قومكما عليكما حرام.

فلم يزالا معه وكذلك يتعلمان منه حتى كان عيد للملك، فجمع طعاماً ثم جمع الناس والأشراف، وأرسل إلى ابن الملك رسولاً فدعاه إلى ضيعته ليأكل مع الناس، فأبى الفتى وقال: إني عنك مشغول فكل أنت وأصحابك، فلما أكثر عليه من الرسل أخبرهم أنه لا يأكل من طعامهم، فبعث الملك إلى ابنه ودعاه وقال: ما أمرك هذا؟ قال: إنا لا نأكل من ذبائحكم، إنكم كفار ليس تحل ذبائحكم. فقال له الملك: من أمرك بهذا؟ فأخبره أن الراهب أمره بذلك، فدعا الراهب فقال: ماذا يقول ابني؟ قال: صدق ابنك. قال له: لولا الدم فينا عظيم لقتلتك ولكن اخرج من أرضنا، فأجله أجلاً فقال سلمان: فقمنا نبكي عليه.

فقال لهما: إن كنتما صادقين فإنا في بيعة في الموصل، ستين رجلا نعبد الله فأتونا فيها، فخرج الراهب وبقي سلمان وابن الملك، فجعل سلمان يقول لابن الملك: انطلق بنا. وابن الملك يقول: نعم. وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز، فلما أبطأ على سلمان خرج سلمان حتى أتاهم، فنزل على صاحبه وهو رب البيعة، فكان أهل تلك البيعة أفضل مرتبة من الرهبان، فكان سلمان معه يجتهد في العبادة ويتعب نفسه، فقال له سلمان: أرأيت الذي تأمرني به هو أفضل أو الذي أصنع؟ قال: بل الذي تصنع.

السابقالتالي
2 3 4