الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } قال: نزلت في الشهادة.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق مقسم عن ابن عباس في قوله { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه... } الآية. قال: نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها.

وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال " لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب، فقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا { سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } [البقرة: 285] فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها { آمن الرسول } [البقرة: 285] الآية. فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } [البقرة: 286] إلى آخرها ".

وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: " لما نزلت هذه الآية { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } دخل في قلوبهم منه شيء لم يدخل من شيء فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا. فألقى الله الإِيمان في قلوبهم، فأنزل الله { آمن الرسول... } [البقرة: 285] الآية { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } [البقرة: 286] قال: قد فعلت { ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا } قال: قد فعلت { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } قال: قد فعلت { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا... } الآية قال: قد فعلت ".

وأخرج عبد الرزاق وأحمد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: دخلت على ابن عباس فقلت: كنت عند ابن عمر فقرأ هذه الآية فبكى. قال: أية آية؟ قلت { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } قال ابن عباس: " إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غماً شديداً وغاظتهم غيظاً شديداً، وقالوا: يا رسول الله هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل، فأما قلوبنا فليست بأيدينا؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " قولوا سمعنا وأطعنا ". قال: فنسختها هذه الآية { آمن الرسول } [البقرة: 285] إلى { وعليها ما اكتسبت } فتجوّز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال ".


السابقالتالي
2 3 4