الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }

أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال: قال عمر يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فيم ترون هذه الآية نزلت { أيود أحدكم أن تكون له جنة }؟ قالوا: الله أعلم! فغضب عمر فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس. في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين! فقال: عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك. قال ابن عباس: ضربت مثلاً لعمل. قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل. قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: قرأت الليلة آية أسهرتني { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب } فقرأها كلها فقال: ما عنى بها؟ فقال بعض القوم: الله أعلم! فقال: إني أعلم أن الله أعلم، ولكن إنما سألت إن كان عند أحد منكم علم وسمع فيها شيئاً أن يخبر بما سمع؟ فسكتوا. فرآني وأنا أهمس قال: قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك. قلت: عنى بها العمل. قال: وما عنى بها العمل؟ قلت: شيء ألقي في روعي فقلته. فتركني وأقبل وهو يفسرها صدقت يا ابن أخي عَنَى بها العمل، ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبرت سنه وكثر عياله، وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم القيامة، صدقت يا ابن أخي.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ضرب الله مثلاً حسناً - وكل أمثاله حسن - قال { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب... له فيها من كل الثمرات } يقول: صنعه في شبيبته فأصابه الكبر، وولده وذريته ضعفاء عند آخر عمره، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه، فكذلك الكافر يوم القيامة إذا رد إلى الله ليس له خير فيستعتب، كما ليس لهذا قوّة فيغرس مثل بستانه، ولا يجزه قدم لنفسه خيراً يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه، كما حرم هذا جنته عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته.

وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: هذا مثل آخر لنفقة الرياء، إنه ينفق ماله يرائي به الناس، فيذهب ماله منه وهو يرائي فلا يأجره الله فيه، فإذا كان يوم القيامة واحتاج إلى نفقته وجدها قد أحرقها الرياء، فذهبت كما أنفق هذا الرجل على جنته، حتى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنته جاءت ريح فيها سموم، فأحرقت جنته فلم يجد منها شيئاً.

السابقالتالي
2