الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " بني الإِسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج ".

وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال: " أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال. فأما أحوال الصلاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس، ثم أن الله أنزل عليه { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها... } [البقرة: 144] الآية فوجهه الله إلى مكة هذا حول، قال: وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضاً حتى نفسوا أو كادوا، ثم أن رجلاً من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم، ولو قلت أني لم أكن نائماً لصدقت، إني بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصاً عليه ثوبان أخضران، فاستقبل القبلة فقال: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مثنى مثنى حتى فرغ الأذان، ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذي قال: غير أنه يزيد في ذلك قد قامت الصلاة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علمها بلالاً فليؤذن بها. فكان بلال أوّل من أذن بها قال: وجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله إنه قد طاف بي مثل الذي طاف به غير أنه سبقني فهذان حولان.

قال: وكانوا يأتون الصلاة قد سبقهم النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها، فكان الرجل يسر إلى الرجل كم صلى فيقول واحدة أو اثنين فيصليهما، ثم يدخل مع القوم في صلاتهم، فجاء معاذ فقال: لا أجده على حال أبداً إلا كنت عليها ثم قضيت ما سبقتني، فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فثبت معه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قام فقضى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا. فهذه ثلاثة أحوال.

وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، ثم إن الله فرض عليه الصيام، وأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } إلى قوله { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكيناً فاجزأ ذلك عنه، ثم إن الله أنزل الآية الأخرى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس } [البقرة: 185] إلى قوله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإِطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام، فهذان حولان.

قال: وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلاً من الأنصار يقال له صرمة كان يعمل صائماً حتى إذا أمسى، فجاء إلى أهله فصلَّى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح صائماً، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهداً شديداً فقال: " ما لي أراك قد جهدت جهداً شديداً؟ " قال: يا رسول الله إني عملت أمس، فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت، فأصبحت حين أصبحت صائماً قال: وكان عمر قد أصاب النساء بعد ما نام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله { أحل لكم ليلة الصيام الرفث } [البقرة: 187] إلى قوله { ثم أتموا الصيام إلى الليل } ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد