الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } * { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }

أخرج الحكم عن سمرة قال: كان إدريس أبيض طويلاً ضخم البطن عريض الصدر قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس، وكانت إحدى عينيه أعظم من الأخرى، وكانت في صدره نكتة بيضاء من غير برص، فلما رأى الله من أهل الأرض ما رأى من جورهم واعتدائهم في أمر الله، رفعه الله إلى السماء السادسة، فهو حيث يقول { ورفعناه مكاناً علياً }.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن إدريس أقدم من نوح، بعثه الله إلى قومه، فأمرهم الله أن يقولوا لا إله إلا الله، ويعملوا بما شاء، فأبوا، فأهلكهم الله.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: { ورفعناه مكاناً علياً } قال: كان إدريس خياطاً. وكان لا يغرز إلا قال: سبحان الله، فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل منه عملاً، فاستأذن ملك من الملائكة ربه، فقال يا رب ائذن لي فاهبط إلى إدريس. فأذن له، فأتى إدريس فسلم عليه، وقال: إني جئتك لأحدثك، فقال: كيف تحدثني وأنت ملك وأنا إنسان، ثم قال إدريس هل بينك وبين ملك الموت شيء؟ قال الملك: ذاك أخي من الملائكة، فقال: هل يستطيع أن ينسئني عند الموت؟ قال: أما أن يؤخر شيئاً أو يُقّدِّمَهُ فلا، ولكن سأكلمه لك، فيرفق بك عند الموت، فقال: اركب بين جناحي، فركب إدريس، فصعد إلى السماء العليا، فلقي ملك الموت إدريس بين جناحيه، فقال له الملك إن لي إليك حاجة، قال: علمت حاجتك، تكلمني في إدريس وقد محي اسمه من الصحيفة، ولم يبق من أجله إلا نصف طرفة عين، فمات إدريس بين جناحي الملك.

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: سألت كعباً عن رفع إدريس { مكاناً علياً } فقال: كان عبداً تقياً رفع له من العمل الصالح ما رفع لأهل الأرض في زمانه، فعجب الملك الذي كان يصعد عليه عمله، فاستأذن ربه قال: رب، ائذن لي آتي عبدك هذا فأزوره، فأذن له، فنزل قال: يا إدريس، أبشرْ، فإنه رفع لك من العمل الصالح ما لا رفع لأهل الأرض، قال: وما علمك؟! قال إني ملك. قال: وإن كنت ملكاً؟ قال: فإني على الباب الذي يصعد عليه عملك. قال: أفلا تشفع إلى ملك الموت، فيؤخر من أجلي لأزداد شكراً وعبادة؟ قال الملك:ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها } [المنافقون: 11] قال: قد علمت، ولكنه أطيب لنفسي، فحمله الملك على جناحه، فصعد به إلى السماء فقال: يا ملك الموت، هذا عبد تقي، نبي رفع له من العمل الصالح ما لا يرفع لأهل الأرض، وإني أعجبني ذلك، فاستأذنت ربي عليه، فلما بشرته بذلك، سألني لأشفع له إليك لتؤخر له من أجله؛ ليزداد شكراً وعبادة.

السابقالتالي
2 3 4