الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } * { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { أنزل من السماء ماء... } الآية قال: هذا مثل ضربه الله تعالى احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها، فأما الشك، فما ينفع معه العمل. وأما اليقين، فينفع الله به أهله. وهو قوله { فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } وهو اليقين، كما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه به ويترك خبيثه في النار، كذلك يقبل الله تعالى اليقين ويترك الشك.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { فسالت أودية بقدرها } قال: الصغير، قدر صغيره. والكبير، قدر كبيره.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في الآية قال: هذا مثل ضربه الله تعالى بين الحق والباطل، يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودمنة، ومما توقدون عليه في النار فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع النحاس والحديد، وللنحاس والحديد خبث، فجعل الله تعالى مثل خبثه كمثل زبد الماء، فأما ما ينفع الناس، فالذهب والفضة. وأما ما ينفع الأرض، فما شربت من الماء فأنبتت. فجعل ذلك مثل العمل الصالح الذي يبقى لأهله. والعمل السيء يضمحل من محله، فما يذهب هذا الزبد، فذلك الهدى والحق جاء من عند الله تعالى، فمن عمل بالحق كان له. وما بقي كما يبقى، ما ينفع الناس في الأرض. وكذلك الحديد، لا يستطيع أن يعمل منه سكين ولا سيف حتى يدخل النار، فتأكل خبثه فيخرج جيده فينتفع به، كذلك يضمحل الباطل، وإذا كان يوم القيامة وأقيم الناس وعرضت الأعمال، فيرفع الباطل ويهلك، وينتفع أهل الحق بالحق.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق السدي، عن أبي مالك وعن أبي صالح من طريق مرة، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في قوله { فسالت أودية بقدرها... } الآية. قال: فمر السيل على رأسه من التراب والغثاء حتى استقر في القرار وعليه الزبد، فضربته الريح فذهب الزبد جفاء إلى جوانبه فيبس فلم ينفع أحداً، وبقي الماء الذي ينتفع به الناس، فشربوا منه وسقوا أنعامهم. فكما ذهب الزبد فلم ينفع، فكذلك الباطل يضمحل يوم القيامة فلا ينفع أهله، وكما نفع الماء فكذلك ينفع الحق أهله. هذا مثل ضربه الله.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء - رضي الله عنه - في قوله { أنزل من السماء ماء } قال: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر { فسالت أودية بقدرها } حتى جرى الوادي وامتلأ بقدر ما يحمل { فاحتمل السيل زبداً رابياً } قال: زبد الماء.

السابقالتالي
2 3