الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ }

ولما أخبر عن لمزهم في الصدقات وقرر ما هو خير لهم إرشاداً إلى النجاة، علل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وبين أنه لا يفعل غيره لأنه الحق الذي لا يجوز في شرعه الأكمل غيره لمزوا أو تركوا زهدوا أو رغبوا فقال معبراً بأداة القصر على ما ذكر: { إنما الصدقات } أي هذا الجنس بجميع ما صدق من أفراده، والظاهر أنه قدم الأهم فالأهم، فلذا قال الشافعي: إن الفقير أشدهم حاجة لكونه ابتدأ به، فقال: { للفقراء } أي الذين لا شيء لهم أو لهم شيء يقع موقعاً من كفايتهم { والمساكين } أي الذين لا كفاية لهم بدليلأما السفينة } [الكهف: 79] وأمامسكيناً ذا متربة } [البلد: 16] فتقييده دل على أن المطلق بخلافه { والعاملين عليها } أي المؤتمنين في السعاية والولاية على جمعها { والمؤلفة قلوبهم } أي ليسلموا أو يسلم بسببهم غيرهم أو يثبتوا على إسلامهم؛ روى البخاري في التفسير وغيره عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: " بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فقسمه بين أربعة وقال: أتألفهم، فقال رجل: ما عدلت! فقال: يخرج من ضئضىء هذا قوم يمرقون من الدين. وفي رواية: فاستأذنه رجل في ضرب عنقه فقال: لا، دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم - الحديث. ولئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " ولا يقال: إن العلة مقتضية لقتلهم لا للكف عنهم فإن عمله بالمقام الخضري - كما تقدم - أنه ما من كرامة لنبي إلا وله صلى الله عليه وسلم مثلها أو أعلى منها بنفسه أو بأحد من أمته.

ولما فرغ من هذه الأصناف الأربعة الذين يعطون الصدقة في أيديهم يتصرفون فيها كيف شاؤوا، كما دل عليه التعبير باللام، ذكر الذين يعطون الصدقة لقضاء ما بهم كما دل عليه التعبير بـ " في " فقال: { وفي الرقاب } أي والمكاتبين بسبب فك رقابهم من الرق { والغارمين } أي الذين استدانوا في غير معصية، يصرف ما يعطونه إلى قضاء ديونهم فقط { وفي } أي والمجاهدين في { سبيل الله } أي الذي له الأمر كله بالنفقة والحمل والإعانة بالسلاح وغير ذلك، ونقل القفال عن بعض الفقهاء أنه عمم السبيل فأجاز صرفه إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وعمارة المساجد ونحوها { وابن السبيل } وهو المسافر المنقطع عن بلده، يعطى ما يوصله إليه، ففيه إشارة إلى أن رسولنا صلى الله عليه وسلم لم يفعل ما أدى إلى لمزهم له بسببه إلا بأمر حقاً، فإنا قد عينّا له أهل الصدقات فهو لا يعدل عنهم لشيء من الأشياء لأنه واقف عند ما يرضينا، فإن كانوا منهم أعطاهم وإلا منعهم رضي من رضي وسخط من سخط، وقد فرض ذلك، أو ثابتة للفقراء حال كونها { فريضة } كائنة { من الله } أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً لعلمه بأن في ذلك أعظم صلاح، وهذا كالزجر عن مخالفة الظاهر { والله } أي الذي له جميع صفات الكمال { عليم } أي بالغ العلم بما يصلح الدين والدنيا ويؤلف بين قلوب المؤمنين { حكيم* } أي فهو يجعل أفعاله من الإحكام بحيث لا يقدر غيره على نقضها؛ قال أبو حيان: " إنما " إن كانت وضعت للحصر فالحصر مستفاد من لفظها، وإن كانت لم توضع للحصر فالحصر مستفاد من الأوصاف إذ مناط الحكم بالوصف يقتضي التعليل به، والتعليل بالشيء يقتضي الاقتصار عليه.

السابقالتالي
2 3 4 5