الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } * { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } * { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

ولما أخبر سبحانه بذلك، وحث على قبول أخبارهم بما وصف به ذاته الأقدس من إحاطة العلم، شرع يقيم الدليل على ما قال بتذكيرهم بأشياء تقدمت مشاهدتها منهم، فقال معللاً لما أخبر به: { لقد ابتغوا } أي طلبوا طلباً عظيماً كلهم لكم { الفتنة } أي لتشتيتكم { من قبل } أي قبل هذه الغزوة في يوم أحد بكسر قلوب العسكر بالرجوع عنه حتى كاد بعضهم أن يفشل وفي المريسيع بما قال ابن أبيّليخرجن الأعز منها الأذل } [المنافقون: 8] وفي غزوة الخندق بما وقع منهم من التكذيب في أخذ كنوز كسرى وقيصر والإرجاف بكم في نقض بني قريظة وغير ذلك كما صنعوا قبله في غزوة قينقاع والنضير في قصدهم تقوية كل منهم عليكم وفي غير ذلك من أيام الله التي عكس فيها قصودهم وأنعس جدودهم { وقلبوا } أي تقليباً كثيراً { لك الأمور } أي التي لك فيها أذى ظهراً لبطن بإحالة الآراء وتدبير المكايد والحيل لعلهم يجدون فرصة في نقض أمرك ينتهزونها أو ثغرة في حالة يوسعونها، وامتد بهم الحال في هذا المحال { حتى جاء الحق } أي الثابت الذي لا مراء في مزاولته مما تقدم به وعده سبحانه من إظهار الدين وقمع المفسدين { وظهر أمر الله } أي المتصف بجميع صفات الكمال من الجلال والجمال حتى لا مطمع لهم في ستره { وهم كارهون* } أي لجميع ذلك فلم يبق لهم مطمع في محاولة بمواجهة ولا مخاتلة فصار همهم الآن الاعتزال والمبالغة في إخفاء الأحوال وستر الأفعال والأقوال.

ولما أجملهم في هذا الحكم، وكان قد أشار إلى أن منهم من كان قد استأذن في الخروج توطئة للاعتذار عنه، شرع يفصلهم، وبدأ المفصلين بمن صرح بالاستئذان في القعود فقال عاطفاً على " لقد ابتغوا ": { ومنهم من يقول } أي في جبلته تجديد هذا القول من غير احتشام { ائذن لي } أي في التخلف عنك { ولا تفتني } أي تكن سبباً في فتنتى بالحزم بالأمر بالنفر فأفتتن إما بأن أتخلف فأكون مصارحاً بالمعصية أو أسافر فأميل إلى نساء بني الأصفر فأرتد عن الدين فأنه لا صبر لي عن النساء، وقائل ذلك هو الجد ابن قيس، كان من الأنصار منافقاً.

ولما أظهروا أنهم قصدوا البعد من شيء فإذا هم قد ارتكبوا فيه، انتهزت فرصة الإخبار بذلك على أبلغ وجه بإدخال ناف على ناف لتحصيل الثبوت الأكيد بإقرار المسؤول فقيل: { ألا في الفتنة سقطوا } أي بما قالوا وفعلوا، فصارت ظرفاً لهم فوضعوا أنفسهم بذلك في جهنم، وفي التعبير بالسقوط دلالة على انتشابهم في أشراك الفتنة انتشاباً سريعاً بقوة فصار يعسر خلاصهم معه { وإن جهنم لمحيطة } أي بسبب إحاطة الفتنة - التي أسقطوا أنفسهم فيها - بهم، وإنما قال: { بالكافرين* } تعميماً وتنبيهاً على الوصف الذي حملهم على ذلك.

السابقالتالي
2