الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ } * { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ }

ولما كان الشفاء قد لا يراد به الكمال، أتبعه تحقيقاً لكماله قوله: { ويذهب غيظ قلوبهم } أي يثبت بها من اللذة ضد ما لقوة منهم من المكروه، وينفي عنها من الألم بفعل من يريد سبحانه من أعدائهم وذل الباقين ما كان قد برح بها، ولقد وفى سبحانه بما وعد به، فكانت الآية ظواهر الدلائل.

ولما كان التقدير: قاتلوهم فإنكم إن قاتلتموهم كان كذا، عطف سبحانه على أصل هذه الجملة قوله: { ويتوب الله } أي الملك الذي له صفات الكمال { على من يشاء } أي منهم فيصيروا إخواناً لكم أولياء، والمعنى قاتلوهم يكن القتال سبباً لهذه الخمسة الأشياء، وأما التوبة فتارة تسبب عنه وتارة عن غيره، ولأجل احتمال تسببها عنه قرىء شاذاً بالنصب على أن الواو للصرف؛ ولما كان ما تضمنه هذا الوعد الصادق يدور على القدرة والعلم، وكان - العلم يستلزم القدرة، فكان التقدير: فالله على كل شيء قدير، عطف عليه قوله { والله } أي الذي له الإحاطة بكل شيء علماً وقدرة { عليم } أي بكل شيء وبمن يصلح للتوبة ومن لا يصلح وما في قلوبكم من الإقدام والإحجام لو برز إلى الخارج كيف كان يكون { حكيم* } أي أحكم جميع أموره، ولم يعلق الأحكام الشرعية من أفعالكم الكسبية إلا بما تعلق العلم به في حال ظهوره.

ولما كان التقدير - لما أرشد إليه تقاعدهم عن القتال وإدخال " أم " المرشد إلى أن مدخوله وسط الكلام فإن الابتداء له الألف وحدها: وهل حسبتم أنه تعالى لا يعلم ذلك أو لا يقدر على نصركم؟ بنى عليه قوله موبخاً لمن تثاقل عن ذلك بنوع تثاقل: { أم حسبتم } أي لنقص في العقل انه يبني الأمر فيه على غير الحكمة، وذلك هو المراد بقوله: { أن تتركوا } أي قارين على ما أنتم عليه من غير أن تبتلوا بما يظهر به المؤمن من المنافق { ولما } عبر بها لدلالتها - مع استغراق الزمان الماضي - على أن يتبين ما بعدها متوقع كائن { يعلم الله } أي المحيط بجميع صفات الكمال { الذين جاهدوا منكم } أي علماً ظاهراً تقوم به الحجة عليكم في مجاري عاداتكم على مقتضى عقولكم بأن يقع الجهاد في الواقع بالفعل.

ولما كان المعنى: جاهدوا مخلصين، ترجمه وبسطه بقوله { ولم } أي ولما يعلم الذين لم { يتخذوا } ويجوز أن يكون حالاً، ودل على تراخي الرتب عن مكانته سبحانه بقوله: { من دون الله } أي الذي لا يعدل عنه ويرغب في غيره من له أدنى بصيرة - كما دل عليه الافتعال - لأنه المنفرد بالكمال، وأكد النفي بتكرير { لا } فقال: { ولا رسوله } أي الذي هو خلاصة خلقه { ولا المؤمنين } أي الذين اصطفاهم من عباده { وليجة } أي بطانة تباطنونها وتسكنون إليها فتلج أسراركم إليها وأسرارها إليكم، فإن الوليجة كل شيء أدخلته في شيء ليس منه، والرجل يكون في قوم وليس منهم وليجة، فوليجة الرجل من يختصه بدخيلة أمره دون الناس، يقال: هو وليجتي وهم وليجتي - للواحد والجمع - نقل ذلك البغوي عن أبي عبيدة، قال ابن هشام وليجة: دخيلاً وجمعها ولائج، يقول: لم يتخذوا دخيلاً من دونه يسرون إليه غير ما يظهرون نحو ما يصنع المنافقون، يظهرون الإيمان للذين آمنوا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7