الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْفَجْرِ } * { وَلَيالٍ عَشْرٍ } * { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } * { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } * { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } * { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } * { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } * { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ }

لما ختمت تلك بأنه لا بد من الإياب والحساب، وكان تغيير الليل والنهار وتجديد كل منهما بعد إعدامه دالاًّ على القدرة على البعث، وكان الحج قد جعله الله في شرعه له على وجه التجرد عن المخيط ولزوم التلبية والسير إلى الأماكن المخصوصة آية مذكرة بذلك قال: { والفجر * } أي الكامل في هذا الوصف لما له من العظمة حتى كأنه لا فجر غيره، وهو فجر يوم النحر الذي هو أول الأيام الآخذة في الإياب إلى بيت الله الحرام بدخول حرمه والتحلل من محارمه وأكل ضيافته.

ولما ذكر هذا اليوم بما العبارة به عنه أدل على البعث لأنه ينفجر عن صبح قد أضاء، ونهار قد انبرم، وانقضى، لا فرق بينه وبين ما مضى، عم فقال معبراً بالمقابل: { وليال عشر * } هي أعظم ليالي العام. وهي آية الله على البعث بالقيام إلى إجابة داعي الله تعالى على هيئة الأموات { والشفع } أي لمن تعجل في يومين { والوتر * } أي لمن أتم - قاله ابن الزبير، وروى أحمد والبزار برجال الصحيح عن عياش بن عقبة وهو ثقة عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العشر الأضحى، والشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة ".

ولما كان تعاقب الليل والنهار أدل على القدرة وأظهر في النعمة، قال رادّاً لآخر القسم على أوله، ومذكراً بالنعمة وكمال القدرة، لأن الليل أخفاهما سُرى وسراً، فهو أعظمهما في ذلك أمراً، لأن سير النهار ظاهر لسرايته بخلاف الليل فإنه محوى صرفه فكان أدل على القدرة { والّيل } أي من ليلة النفر { إذا يسر * } أي ينقضي كما ينقضي ليل الدنيا وظلام ظلمها فيخلفه الفجر ويسرى فيه الذين آبوا إلى الله راجعين إلى ديارهم بعد حط أوزارهم، وقد رجع آخر القسم على أوله - وأثبت الياء في يسري ابن كثير ويعقوب وحذفها الباقون، وعلة حذفها قد سأل عنها المؤرج الأخفش فقال: اخدمني سنة، فسأله بعد سنة فقال: الليل يسرى فيه ولا يسري، فعدل به عن معناه فوجب أن يعدل عن لفظه كقوله تعالى:وما كانت أمك بغيّاً } [مريم: 28] لما عدل عن " باغية " عدل لفظه فلم يقل: بغية - انتهى، وهو يرجع إلى اللفظ مع أنه يلزم منه رد روايات الإثبات، والحكمة المعنوية فيه - والله أعلم - من جهة الساري وما يقع السرى فيه، فأما من جهة الساري فانقسامهم ليلة النفر إلى مجاور وراجع إلى بلاده، فأشير إلى المجاورين بالحذف حثاً على ذلك لما فيه من جلالة المسالك، فكان ليل وصالهم ما انقضى كله، فهم يغتنمون حلوله ويلتذون طوله من تلك المشاهد والمشاعر والمعاهد، وإلى الراجعين بالإثبات لما سرى الليل بحذافيره عنهم آبوا راجعين إلى ديارهم فيما انكشف من نهارهم، وأما من جهة ما وقع فيه السرى فللاشارة إلى طوله تارة وقصره أخرى، فالحذف إشارة إلى القصير والإثبات إشارة إلى الطويل بما وقع من تمام سراه وما وقع للسارين فيه من قيام وصف الأقدم بين يدي الملك العلام كما قال الإمام تقي الدين بن دقيق العيد رحمه الله تعالى حيث قال مشيراً لذلك:

السابقالتالي
2 3