الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } * { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } * { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } * { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } * { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } * { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ }

ولما كان كل من ذلك يدل على القدرة على البعث لأنه إيجاد ما هو أشد من خلق الآدمي من عدم، أتبعه ما يتصور به البعث في كل يوم وليلة مرتين فقال: { وأغطش } أي أظلم إظلاماً لا يهتدي معه إلى ما كان في حال الضياء { ليلها } أي بغياب شمسها فأخفى ضياءها بامتداد ظل الأرض على كل ما كانت الشمس ظهرت عليه. وأضافه إليها لأنه يحدث بحركتها، وبدأ به لأنه كان أولاً، والعدم قبل الوجود { وأخرج ضحاها * } بطلوع شمسها فأضاء نهارها، فالآية من الاحتباك: دل بـ " أغطش " على " أضاء " وبإخراج الضحى على إخفاء الضياء، ولعله عبر بالضحى عن النهار لأنه أزهر ما فيه وأقوى نوراً.

ولما بدأ بدلالة العالم العلوي لأنه أدل لما فيه من العجائب والمنافع مع كونه أشرف، فذكر أنه أتقن السماء التي هي كالذكر، ثنى بأنه سوى ما هي لها كالأنثى فقال: { والأرض } ولما كان المراد استغراق الزمان باستمرار الدحو، حذف الخافض فقال: { بعد ذلك } أي المذكور كله { دحاها } أي بسطها ومدها للسكنى وبقية المنافع بعد أن كان خلقها وأوجدها قبل إيجاد السماء غير مسواة بالفعل ولا مدحوة.

ولما ذكر الدحو، أتبعه ما استلزمه من المنافع لتوقف السكنى المقصودة بالدحو عليه فقال كالمبين له من غير عاطف: { أخرج منها } أي الأرض { ماءها } بتفجير العيون، وإضافته إليها دليل على أنه فيها { ومرعاها * } الذي يخرج بالماء، والمراد ما يرعى منها ومكانه وزمانه.

ولما ذكر الأرض ومنافعها، ذكر المراسي التي تم بها نفعها فقال: { والجبال } أي خاصة { أرساها * } أي أثبتها وأقرها ومع كونها ثابتة لا تتحول فإنه سبحانه جعلها مراسي للأرض تكون سبباً لثباتها كما أن المراسي سبب لثبات السفينة. ولما كانت الإعادة واضحة من تناول الحيوان المأكل والمشرب وغيرهما من المتاع فإنه كلما نقص منه شيء تناول ما قدر له ليعود ذلك أو بعضه، قال منبهاً على أنه كل يوم في إعادة بانياً حالاً مما تقدم تقديره: حال كونها { متاعاً } مقدراً { لكم } تتمتعون بما فيها من المنافع { ولأنعامكم * } أي مواشكيم بالرعي وغيره.

ولما ذكر ما دل على البعث، أتبعه ما يكون عن البعث مسبباً عنه دلالة على أن الوجود ما خلق إلا لأجل البعث لأنه محط الحكمة: { فإذا جاءت } أي بعد الموت { الطامة الكبرى * } أي الداهية الدهياء التي تطم - أي تعلو - على سائر الدواهي وتغطيها فتكون أكبر داهية توجد، وهي البعث بالنفخة الثانية - كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، والعامل في " إذا " محذوف تقديره: فصل الناس إلى شقي وسعيد.

السابقالتالي
2