الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } * { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } * { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } * { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } * { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } * { وَكَأْساً دِهَاقاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً }

ولما كان التقدير: فكل شيء جعلنا له وزاناً، عطف عليه قوله: { وكل شيء } أي مطلقاً من أعمالهم وغيرها أو كل ما يقع عليه الحساب { أحصيناه } ولما كان الإحصاء موافقاً للكتابة في الضبط، أكد فعله بها فقال: { كتاباً * } فلا جائز أن نترك شيئاً من الأشياء بغير جزاء، ويمكن تنزيل الآية على الاحتباك وهو أحسن: دل فعل الإحصاء على حذف مصدره، وإثبات مصدر " كتب " عليه أي أحصيناه إحصاء وكتبناه كتاباً، وذلك الإحصاء والكتب لعدم الظلم.

ولما ذكر عذابه ووجه موافقته لجزائهم، سبب عن تكذيبهم ما يقال لهم بلسان الحال أو المقال إهانة وزيادة في الجزاء على طريق الالتفات المؤذن بشدة الخزي والغضب عليهم وكمال القدرة له سبحانه وتعالى فقال: ويجوز أن يكون سبباً عن مقدر بعد " كتاباً " نحو: ليجازيهم على كل شيء منه، قائلاً لهم على لسان الملائكة أو لسان الحال: { فذوقوا } أي من هذا العذاب في هذا الحال بسبب تكذيبكم بالحساب، وأكد ذوقهم في الاستقبال فقال: { فلن نزيدكم } أي شيئاً من الأشياء في وقت من الأوقات { إلا عذاباً * } فإن داركم ليس بها إلا الجحيم كما أن الجنة ليس بها إلا النعيم، فأفهم هذا أن حصول شيء لهم غير العذاب محال.

ولما ذكر جزاء الكافرين وأشعر آخره بكونه إخزاء، ذكر جزاء المؤمنين المخالفين لهم فقال مستأنفاً مؤكداً لتكذيب الكافرين به: { إن للمتقين } أي الراسخين في الخوف المقتضي لاتخاذ الوقاية مما يخاف فوقوا أنفسهم من سخط الله بما يرضيه من الأعمال والأقوال والأحوال { مفازاً } أي فوزاً وموضع فوز وزمان فوز بالراحة الدائمة من جميع ما مضى ذكره للطاغين الذين هم أضدادهم، وقد كشفوا أنفسهم للعذاب كل الكشف، ثم فسره أو أبدل منه على حذف مضاف أي فوز: { حدائق } أي بساتين فيها أنواع الأشجار ذوات الثمار والرياحين لتجمع مع لذة المطعم لذة البصر والشم، قد أحدقت بها الجدران وحوطت بها، قال ابن جرير: فإن لم تكن بحيطان محدقة بها لم يقل لها حديقة. وخص أشجار العنب لطيبها وحسنها وشرفها وما فيها من لذة الذوق وعبر عن أشجارها بثمرتها إعلاماً بأنها لا توجد إلا موقرة حملاً وأن ثمرتها هي جل منفعتها فقال: { وأعناباً * }.

ولما ذكر المساكن النزهة المؤنقة المعجبة، ذكر ما يتمتع به وهو جامع لألذاذ الحواس: البصر واللمس والذوق فقال: { وكواعب } أي نساء كعبت ثديهن { أتراباً * } أي على سن واحد من مس جلد واحد التراب قبل الأخرى، بل لو كن مولودات لكانت ولادتهن في آن واحد.

ولما ذكر النساء ذكر الملائم لعشرتهن فقال: { وكاساً } أي من الخبر التي لا مثل لها في لذة الذوق ظاهراً وباطناً وكمال السرور وإنعاش القوى.

السابقالتالي
2