الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } * { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }

ولما كان الزنجبيل عندنا شجراً يحتاج في تناوله إلى علاج، أبان أنه هناك عين لا يحتاج في صيرورته زنجبيلاً إلى أن تحيله الأرض بتخميره فيها حتى يصير شجراً ليتحول عن طعم الماء إلى طعم الزنجبيل خرقاً للعوائد فقال: { عيناً فيها } أي الجنة يمزج فيها شرابهم كما يمزج بالماء.

ولما كان الزنجبيل يلذع الحق فتصعب إساغته قال: { تسمى } أي لسهولة إساغتها ولذة طعمها وسمو وصفها { سلسبيلاً } والسلسبيل والسلسل والسلسال ما كان من الشراب غاية في السلاسة، زيدت فيه الباء دلالة على المبالغة في هذا المعنى، قالوا: وشراب الجنة في برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك من غير لذع.

ولما ذكر المطوف به لأنه الغاية المقصودة، وصف الطائف لما في طوافه من العظمة المشهودة تصويراً لما هم فيه من الملك بعد ما نجوا منه من الهلك: { ويطوف عليهم } أي بالشراب وغيره من الملاذ والمحاب { ولدان } أي غلمان هم في سن من هو دون البلوغ " أقل أهل الجنة من يخدمه ألف غلام " { مخلدون } أي قد حكم من لا يرد حكمه بأن يكونوا كذلك دائماً من غير غلة ولا ارتفاع عن ذلك الحد مع أنهم مزينون بالخلد وهو الحلق والأساور والقرطة والملابس الحسنة { إذ رأيتهم } أي يا أعلى الخلق صلى الله عليه وسلم وأنت أثبت الناس نظراً أو أيها الرائي من كان في أي حالة رأيتهم فيها { حسبتهم } من بياضهم وصفاء ألوانهم ولمع أنوارهم وانعكاس شعاع بعضهم إلى بعض وانبثاثهم في المجالس ذهاباً وإياباً { لؤلؤاً منثوراً * } وذلك كناية عن كثرتهم وانتشارهم في الخدمة وشرفهم وحسنهم؛ وعن بعضهم أن لؤلؤ الجنة في غاية الكبر والعظمة واختلاف الأشكال، وكأنه عبر بالحسبان إشارة إلى أن ذلك مطلق تجويز لا مع ترجيح، قال بعض المفسرين: هم غلمان ينشئهم الله لخدمة المؤمنين. وقال بعضهم: هم أطفال المشركين لأنهم ماتوا على الفطرة، وقال ابن برجان: وأرى والله أعلم أنهم من علم الله سبحانه وتعالى إيمانه من أولاد الكفار يكونون خدماً لأهل الجنة كما كانوا لهم في الدنيا سبياً وخداماً، وأما أولاد المؤمنين فيلحقون بآبائهم سناً وملكاً سروراً لهم، ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم في ابنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام " إن له لظئراً يتم رضاعه في الجنة " فإنه يدل على استقبال شأنه فيما هنالك وتنقله في الأحوال كالدنيا، ولا دليل على خصوصيته بذلك.

ولما ذكر المخدوم والخدم شرع في ذكر المكان فقال: { وإذا رأيت } أي أجلت بصرك، وحذف مفعوله ليشيع ويعم { ثم } أي هناك في أي مكان كان وأي شيء كان { رأيت نعيماً } أي ليس فيه كدر بوجه من الوجوه، ولما كان النعيم قد يكون في حالة وسطى قال: { وملكاً كبيراً * } أي لم يخطر على بال مما هو فيه من السعة وكثرة الموجود والعظمة أدناهم وما فيهم دني الذي ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه ومهما أراده كان.

السابقالتالي
2 3